أَكْثَرُ أَمْ مَا بَقِيَ» «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ إذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَبْرِدْ فَإِنْ تَقَيَّلُوكَ فَأَمْهِلْهُمْ حَتَّى يُدْرِكُوا وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَصَلِّ الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ فَإِنَّ اللَّيَالِيَ طِوَالٌ» فَأَمَّا الْعَصْرُ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ عِنْدَنَا بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا تَغَيُّرٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي» وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي وَيَنْحَرُ الْجَزُورَ وَيَطْبُخُ وَيَأْكُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ».
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ» وَهَذَا مِنْهُ بَيَانُ تَأْخِيرٍ لِلْعَصْرِ، «وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنْتُمْ أَشَدُّ تَأْخِيرًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدُّ تَأْخِيرًا لِلْعَصْرِ مِنْكُمْ» وَقِيلَ سُمِّيَتْ الْعَصْرَ؛ لِأَنَّهَا تُعْصَرُ أَيْ تُؤَخَّرُ وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَكْثِيرَ النَّوَافِلِ وَأَدَاءُ النَّافِلَةِ بَعْدَهَا مَكْرُوهٌ وَلِهَذَا كَانَ التَّعْجِيلُ فِي الْمَغْرِبِ أَفْضَلَ لِأَنَّ أَدَاءَ النَّافِلَةِ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ وَلِأَنَّ الْمُكْثَ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ وَمَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِذَا أَخَّرَ الْعَصْرَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْرَازِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ، فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَقَدْ كَانَتْ حِيطَانُ حُجْرَتِهَا قَصِيرَةً فَتَبْقَى الشَّمْسُ طَالِعَةً فِيهَا إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ فَأَمَّا صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَالْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَأْخِيرَهَا مَكْرُوهٌ وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْأَوْلَى تَعْجِيلُهَا لِلْآثَارِ وَلَكِنْ لَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ تُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ لِيُجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِعْلًا، فَلَوْ كَانَ الْمَذْهَبُ كَرَاهَةَ التَّأْخِيرِ لَمَا أُبِيحَ ذَلِكَ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ كَمَا لَا يُبَاحُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَتَغَيَّرَ الشَّمْسُ
وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةً» وَإِنَّمَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى بَيَانِ امْتِدَادِ الْوَقْتِ وَإِبَاحَةِ التَّأْخِيرِ. فَأَمَّا صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ لِحَدِيثِ نُعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute