فِيهِ مِنْ غَيْرِ الدَّعْوَى كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ الْعَبْدُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَجْحَدُ الْحُرِّيَّةَ لِيَسْتَكْسِبَهُ غَيْرُهُ فَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بَعْضَ كَسْبِهِ، وَيَجْعَلَ الْبَاقِي لِنَفْسِهِ فَصَحَّ إنْكَارُهُ، وَصَارَ بِهِ مُكَذِّبًا لِشُهُودِهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قُلْنَا، حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَّهَمًا بِأَنْ كَانَ لَزِمَهُ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ فِي طَرَفٍ فَأَنْكَرَ الْعِتْقَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: التَّنَاقُضُ إنَّمَا يُعْدِمُ الدَّعْوَى فِيمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ يَنْقُضُ آخِرَهُ، وَآخِرُهُ يَنْقُضُ أَوَّلَهُ فَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّنَاقُضِ كَمَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ فَإِنَّ الْمُلَاعِنَ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْهُ.
وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَنَاقُضِهِ فِي الدَّعْوَى، وَلَا نَاقِضَ لِحُرِّيَّةِ الْأَصْلِ فِي دَارِنَا فَالتَّنَاقُضُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُعْدِمًا لِلدَّعْوَى، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِنَسَبِ، وَالِدِ أَمَتِهِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِلتَّنَاقُضِ، وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُسْلَكَ فِيهِ طَرِيقَةُ الشَّبَهَيْنِ فَنَقُولُ: مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ الْمَشْهُودُ بِهِ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِ الزَّوْجَةِ، وَعَتَاقِ الْأَمَةِ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ بِالسَّبَبِ هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا بَيَّنَّا، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُ عَلَيْهِمَا فَلِشِبْهِهِ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ قُلْنَا: الشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَلِشِبْهِهِ بِحَقِّ الشَّرْعِ قُلْنَا: التَّنَاقُضُ فِي الدَّعْوَى لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا، وَلَا يَعْرِفُونَ سَالِمًا، وَلَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَاسْمُهُ سَالِمٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُتَعَيَّنٌ لِمَا أَوْجَبَهُ فَبَانَ لَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ الْعَبْدَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ كَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْعِتْقِ إذَا سَمِعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَعْرِفُ الْعَبْدَ، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ فِي الْبَيْعِ أَبْطَلْته لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَهَالَةَ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ الْعَبْدَ فَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْقَاضِي الْقَضَاءُ لِأَجْلِهِ بِالشَّهَادَةِ.
وَإِذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ أَوْ الْمَكَانِ، أَوْ اللَّفْظِ، أَوْ اللُّغَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ قَوْلٌ يُعَادُ، وَيُكَرَّرُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِاخْتِلَافِهِمَا فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ وَلَا بِاخْتِلَافِهِمَا فِي اللُّغَةِ، وَصِيغَةِ الْإِقْرَارِ، وَالْإِنْشَاءِ فِي الْعِتْقِ، وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يَجُزْ.
لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْهَدُ بِعِتْقٍ يَتَنَجَّزُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ، وَالْآخَرُ بِعِتْقٍ يَتَنَجَّزُ عِنْدَ كَلَامِ فُلَانٍ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ الدُّخُولِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ الْمَوْلَى إنَّمَا قُلْت لَهُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute