للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدَ إنَّمَا عَتَقَ بِحَلِّ الْقَيْدِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا فَلَا يَضْمَنَانِ عِنْدَهُمَا شَيْئًا.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا عَتَقَ الْعَبْدُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِنُفُوذِ قَضَائِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَضَاءُ الْقَاضِي كَانَ بِشَهَادَتِهِمَا فَلِهَذَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُمَا شَهِدَ بِالْبَاطِلِ (فَإِنْ قِيلَ) هُمَا إنَّمَا شَهِدَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِوَزْنِ الْقَيْدِ أَنَّهُ دُونَ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَذَلِكَ شَرْطُ الْعِتْقِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الشَّرْطِ (قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ شَهِدَا بِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْمَوْلَى عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ، وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ مَوْجُودٍ يَكُونُ تَنْجِيزًا حَتَّى يَمْلِكَهُ الْوَكِيلُ بِالتَّنْجِيزِ، وَشُهُودُ الْعِتْقِ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الرُّجُوعِ.

(فَإِنْ قِيلَ) قَضَاءُ الْقَاضِي إنَّمَا يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِبُطْلَانِهِ فَأَمَّا بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِبُطْلَانِهِ لَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ، أَوْ كُفَّارٌ، وَهُنَا قَدْ تَيَقَّنَّا بِبُطْلَانِ الْحُجَّةِ حِينَ كَانَ، وَزْنُ الْقَيْدِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ، وَبَعْدَمَا عَلِمَ كَذِبَهُمْ بِيَقِينٍ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا فَإِنَّمَا عَتَقَ بِحَلِّ الْقَيْدِ.

(قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ نُفُوذُ الْقَضَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ صِدْقِ الشُّهُودِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ كُفْرُهُمْ، وَرِقُّهُمْ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَثْبُتُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَى الْقَاضِي هُنَا الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ، وَزْنِ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحِلَّهُ وَإِذَا حَلَّهُ عَتَقَ الْعَبْدُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ حَقِيقَةُ مَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْعِتْقِ بِشَهَادَتِهِمَا ظَاهِرًا، وَبَاطِنًا.

(فَإِنْ قِيلَ) لَا كَذَلِكَ فَقَدْ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ وَزْنِ الْقَيْدِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّهُ، بِأَنْ يَضَعَ رِجْلَيْ الْعَبْدِ مَعَ الْقَيْدِ فِي طَسْتٍ، وَيَصُبَّ فِيهِ الْمَاءَ حَتَّى يَعْلُوَا الْقَيْدُ، ثُمَّ يَجْعَلَ عَلَى مَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةً، ثُمَّ يَرْفَعَ الْقَيْدَ إلَى سَاقِهِ، وَيَضَعَ حَدِيدًا فِي الطَّسْتِ إلَى أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى تِلْكَ الْعَلَامَةِ ثُمَّ يَزِنَ ذَلِكَ الْحَدِيدَ فَيَعْرِفُ بِهِ وَزْنَ الْقَيْدِ.

(قُلْنَا) هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْمُهَنْدِسِينَ، وَلَا تَنْبَنِي أَحْكَامُ الشَّرْعِ عَلَى مِثْلِهِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْرَفُ وَزْنُ الْقَيْدِ بِهَذَا الطَّرِيق إذَا اسْتَوَى الْحَدِيدَانِ فِي الثِّقَلِ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ.

وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَالِمًا، وَلَهُ عَبْدَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَالِمٌ، وَالْمَوْلَى يَجْحَدُ ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَالدَّعْوَى لَا تَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَمَكَّنُ الشُّهُودُ مِنْ تَعْيِينِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِهَذَا وَإِنْ قَالَا قَدْ سَمَّاهُ لَنَا فَنَسِينَا اسْمَهُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِإِقْرَارِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَفْلَةِ، وَبِأَنَّهُمَا ضَيَّعَا شَهَادَتَهُمَا، وَحُكِيَ عَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ وَيُقَالُ لِلْمَوْلَى: بَيِّنْ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ كَلَامَ الْمَوْلَى فَثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَ عَبْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>