حَاضِرٌ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفَرْجِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.
وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي أَمْرِ الشَّاهِدَيْنِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ فَاسِقًا، أَوْ مَخُوفًا عَلَيْهِ عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ فِي الْجَامِعِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ هُنَا تَمَّتْ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ عَدَالَتُهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ فَثَبَتَ بِهِ الْحَيْلُولَةُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا.
فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ لَهُ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ، وَهَبَهُ لِنَفْسِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا، فَإِنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ الْعِتْقِ، وَضْعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَالْإِعْتَاقُ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ أَوْ إبْطَالُ الْمِلْكِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَفْظًا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَهِدَا جَمِيعًا أَنَّهُ، وَهَبَ عَبْدَهُ لِنَفْسِهِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ نَفْسَهُ، وَمَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ يُعْتَقُ كَالْمُرَاغِمِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهِبَةُ إعْتَاقًا كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ، وَهَبَهُ مِنْ قَرِيبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِعِتْقِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الْعِتْقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ.
وَإِذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَقَالَ الْعَبْدُ: فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، أَوْ يُقِرَّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَتَنَجَّزُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْعَبْدُ بِدَعْوَاهُ وُجُودَ الشَّرْطِ يَدَّعِي تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٌ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبُّنِي، أَوْ تَبْغَضُنِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالصَّوْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ هُوَ الْكَفُّ، وَذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يَقِفُ عَلَيْهِ النَّاسُ بِوُقُوفِهِمْ عَلَى ضِدِّهِ، وَهُوَ الْأَكْلُ.
وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَعْتِقْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْت فَأَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدٌ وَالْأَمْرُ فِي بَيَانِهِ إلَى الْمَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَاءَ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا جَمِيعًا عَتَقُوا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ فِيهَا مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَإِذَا أَضَافَ الْمَشِيئَةَ بِهَا إلَى عَامٍّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْخُصُوصِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا مِنْهُمْ وَإِذَا أَضَافَ الْمَشِيئَةَ بِهَا إلَى عَامٍّ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْعُمُومِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إنَّمَا تُوجِبُ التَّعْمِيمَ فِيمَنْ دَخَلَ تَحْتَهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ - الْعَبِيدُ دُونَ الْمُخَاطَبِ بِالْمَشِيئَةِ، وَإِذَا قَالَ شِئْت فَلَا يَكُونُ شَرْطُ الْعِتْقِ إلَّا مَشِيئَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِالْمَشِيئَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ فَأَمَّا فِي قَوْلِهِ شَاءَ إنَّمَا أَضَافَ الْمَشِيئَةَ إلَى الْعَبِيدِ، وَكَلِمَةُ أَيٍّ اقْتَضَتْ التَّعْمِيمَ فِي الْعَبِيدِ فَصَارَتْ مَشِيئَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَرْطًا لِعِتْقِهِ فَلِهَذَا عَتَقُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute