للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا كَانَ تَمَلَّكَهُ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ تَمَلَّكَهُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ عِنْدَهُمَا، وَقْتَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلٌ، وَصِفَةُ الْأَوَّلِيَّةِ، وَالْآخِرِيَّةِ لَا يَجْتَمِعُ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَإِنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَا اتَّصَفَ بِالْآخِرِيَّةِ لِيَكُونَ آخِرًا، وَالْعَبْدَانِ لَمْ يَتَّصِفْ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْفَرْدِيَّةِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا آخِرًا.

وَلَوْ قَالَ لِأَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ مِنْ مَالِي فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إذَا مَلَكْتُك؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ اللَّفْظِ لَا يَصِيرُ مُضِيفًا لِلْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ، وَلَا إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ فَضْلٌ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْ جِهَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ مَالِهِ فَلَا يَخْرُجُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَنْجِيزًا، وَلَوْ قَالَ: إذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَرَاهَا، وَتَسَرَّاهَا، أَوْ جَامَعَهَا لَمْ تَعْتِقْ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: التَّسَرِّي وَالْجِمَاعُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى إضَافَةِ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إنْ اشْتَرَيْتُك، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْجِمَاعُ يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ التَّسَرِّي فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّحْصِينِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الْمِلْكِ صُورَةً، وَلَا مَعْنًى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا كَلَّمْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ أَتَسَرَّى بِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً بَعْدَ يَمِينِهِ وَتَسَرَّاهَا لَمْ تُعْتَقْ، وَلَوْ تَسَرَّى جَارِيَةً كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَقْتَ يَمِينِهِ عَتَقَتْ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي حَقِّهَا يَصِحُّ لِوُجُودِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ وَقْتَ الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ كُلُّ جَارِيَةٍ أَمْلِكُهَا فَهِيَ حُرَّةٌ ثُمَّ تَسَرَّى فَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُبَوِّئَهَا بَيْتًا، وَيُحَصِّنَهَا، وَيُجَامِعَهَا، وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا إلَّا بِطَلَبِ الْوَلَدِ مَعَ هَذَا لِلْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ النَّاسَ يَطْلُبُونَ الْأَوْلَادَ مِنْ السَّرَارِي، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، وَهُمَا يَقُولَانِ: لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ التَّسَرِّي إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ التَّسَرُّرِ كَالتَّقَضِّي وَذَلِكَ الْإِخْفَاءُ، أَوْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السِّرَارِ، وَمَعْنَاهُ التَّحْصِينُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْخُرُوجِ، أَوْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ السِّرِّ الَّذِي هُوَ الْجِمَاعُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا) فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُنْبِئُ عَنْ طَلَبِ الْوَلَدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَكَيْفَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَبِحُصُولِ الْوَلَدِ تَخْرُجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>