للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ الْوَلَدُ الْمَيِّتُ وَلَدٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ حَتَّى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ وَالْجَارِيَةُ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَلَدٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ عِتْقَ الْأُمِّ أَوْ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ كَانَ الْمَيِّتُ وَلَدًا فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ عِتْقَ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ وَلَدًا فِيهِ وَلَكِنْ هَذَا تَشَهٍّ وَمَعَ أَنَّهُ تَشَهٍّ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ وَلَدًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى حَتَّى يَنْحَلَّ يَمِينُهُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ وَلَدًا فِي حَقِّ الْوَلَدِ الثَّانِي حَتَّى لَا يَعْتِقَ فَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ أَنْ يَقُولَ جَازَى بِكَلَامِهِ مَا لَا يُجَازَى بِهِ إلَّا الْحَيُّ فَتَصِيرُ الْحَيَاةُ مُدْرَجَةً فِي كَلَامِهِ وَيَكُونُ الْمُضْمَرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حَيًّا فَهُوَ حُرٌّ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِإِضْمَارِ الْحَيَاةِ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إحْدَاثُ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ فَتَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ " فَهُوَ حُرٌّ " أَنَّ حَيَاةَ الْوَلَدِ مُضْمَرٌ فِي كَلَامِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا فَهُوَ حُرٌّ كَانَ كَلَامُهُ لَغْوًا وَبِهِ فَارَقَ الطَّلَاقَ وَعِتْقَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ الْكَلَامِ إلَى إضْمَارِ الْحَيَاةِ فِي الْوَلَدِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِمَوْتِ الْوَلَدِ كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا ثُمَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يُجْعَلُ ثَابِتًا لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ فَفِيمَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ يُجْعَلُ مَدْرَجًا فِي كَلَامِهِ وَفِيمَا لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ لَا يُجْعَلُ مُدْرَجًا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ وَاحِدًا ثُمَّ يُحْكَمَ بِوُجُودِهِ فِي بَعْضِ الْجَزَاءِ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ حِضْت تُصَدَّقُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا دُونَ ضَرَّتِهَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحَيَاةَ مُدْرَجَةٌ فِي كَلَامِهِ فَاَلَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْمَيِّتِ أَوَّلُ وَلَدٍ حَيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي الصُّورَةِ ثَانِي وَلَدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ فِيهِ مِنْ مِلْكِهِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ مَالِكِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إضْمَارِ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ لِتَصْحِيحِ الْكَلَامِ وَهَهُنَا الْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ أَصْلًا فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْحَيَاةَ مُدْرَجَةً فِي كَلَامِهِ

وَإِنْ قَالَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدًا وَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ وَكَذَّبَهَا الْمَوْلَى وَقَالَ هَذَا عَبْدِي مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يَعْتِقْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْتِقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ مَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ عَلَى الْخُصُوصِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فِي حَقِّ نَسَبِ الْوَلَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>