للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيلَادِ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ لِلنَّسَبِ هُنَاكَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالزِّنَا وَإِذَا اشْتَرَى أَمَةً لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ فَادَّعَى أَحَدَهُمْ فَإِنْ كَانُوا وُلِدُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُمْ جَمِيعًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ النَّسَبِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا نَسَبُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَالْبَاقِيَانِ رَقِيقَانِ وَيَبِيعُهُمَا إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَتَكُونُ دَعْوَتُهُ فِيهِمْ دَعْوَةَ تَحْرِيرٍ وَدَعْوَةُ التَّحْرِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمْ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا ذَاكَ فَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمْ.

وَلَوْ وُلِدُوا فِي مِلْكِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ أَمَةُ رَجُلٍ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْأَصْغَرِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْآخَرَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَكْبَرَ ثَبَتَ نَسَبُ الْأَكْبَرِ مِنْهُ وَالْأَوْسَطُ وَالْأَصْغَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْ حِينَ عَلِقْت بِالْأَكْبَرِ وَنَسَبُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْ الْمَوْلَى مَا لَمْ يَنْفِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَخْصِيصُ الْأَكْبَرِ بِالدَّعْوَةِ دَلِيلُ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْآخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا وَلَكِنَّا نَقُولُ يَحِقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدٍ وَهُوَ مِنْهُ وَلَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَ مَا لَزِمَهُ هَذَا شَرْعًا كَانَ هَذَا نَفْيًا لِلْآخَرَيْنِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قِيلَ السُّكُوتُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنَّ السُّكُوتَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ يُجْعَلُ دَلِيلَ النَّفْيِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَكَمَا أَنَّ دَلِيلَ الدَّعْوَةِ كَالتَّصْرِيحِ فَدَلِيلُ النَّفْيِ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَلَوْ نَفَى الْآخَرَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُمَا وَكَانَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِمَا

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى ابْنَ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ فَارَقَهَا فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ مَعَ الْوَلَدَيْنِ فَالْجَارِيَةُ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ، فَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَعْتِقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهَا وَلَدْته بَعْدَ تَمَامِ سَبَبِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ أُمِّهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدْته بَعْدَ مَا مَلَكَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَانَ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فَكَذَلِكَ هُنَا (وَحُجَّتُنَا) أَنَّ السَّبَبَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا فِي مَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ فِي مِلْكِهِ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهَا لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ النَّسَبِ، وَكُلُّ وَلَدٍ انْفَصَلَ قَبْلَ ثُبُوتِ حَقِّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهَا لَا يَسْرِي حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَقَدْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ فَكَذَلِكَ لَا يَسْرِي حَقُّ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>