شُهُودِهِ وَعَلَامَةُ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِ الْآخَرِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمِيلَادِ قُضِيَ بِهِ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ الْكَذِبِ ظَهَرَتْ فِي شَهَادَةِ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا فَإِنْ كَانَ يُشَكُّ فِيهِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحُجَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ مِنْ حِينِ وُلِدَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ وَلَا يُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّارِيخِ مَعَ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلًا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا.
فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي مَعْنَى الِاحْتِمَالِ وَصَاحِبُ أَسْبَقِ التَّارِيخَيْنِ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوَقِّتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَقْتًا غَيْرَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْمَوْلَى أَعْتَقَ أُمَّهُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَهُ أَوْ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْغُلَامَ وَأُمُّهُ حَامِلٌ بِهِ أَوْ دَبَّرَهُ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ فِي بَيِّنَتِهِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْغُلَامِ إمَّا مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ قَبْضٌ مِنْ الْمُعْتِقِ فَبِإِثْبَاتِهِ الْعِتْقَ أَوْ التَّدْبِيرَ يَثْبُتُ أَنَّ الْيَدَ لَهُ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ تَتَرَجَّحُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ غَيْرَ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدُوا أَنَّهُ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَلْبَتَّةَ يُقْضَى بِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ، وَالْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ زِيَادَةُ إثْبَاتِ النَّسَبِ تَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ.
(قَالَ) صَبِيٌّ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهُوَ حُرٌّ وَابْنُ الَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ وَإِقْرَارُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ صَحِيحٌ وَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ يَنْفِي الرِّقَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَمَاتَ مِنْ عَمَلِهِمَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قَتَلَاهُ خَطَأً بَعْدَ مَا حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ لِمُدَّعِي الْبُنُوَّةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِأَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ بَعْدَ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ ابْنُهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ فَيَكُونُ مَحْرُومًا عَنْ الْمِيرَاثِ وَإِذَا صَارَ مَحْرُومًا كَانَ كَالْمَيِّتِ وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَبْدُهُ وُلِدَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ لِأَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَمَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالْمِلْكِ لَهُ فَالْأَمَةُ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَالْوَلَدُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ وَقَدْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ فِي الْأَمَةِ وَاسْتَوَيَا فِي الْيَدِ فِي الْوَلَدِ (فَإِنْ قِيلَ) لَمَّا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأَمَةِ لِأَحَدِهِمَا وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِالْوَلَدِ لَهُ (قُلْنَا) ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ فِي الْأَمَةِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَالْيَدُ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا مُوجِبَةٌ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ مِنْ الْوَلَدِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute