عَنْ إبْطَالِهِ كَمَا أَنَّ الْمَوْتَ لَمَّا كَانَ مُوجِبًا الْخِلَافَةَ لِلْوَارِثِ فِي تَرِكَتِهِ وَسَبَبُهُ الْمَرَضُ ثَبَتَ نَوْعُ حَقٍّ لَهُمْ بِهَذَا السَّبَبِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ الْمَرِيضُ مَحْجُورًا عَنْ التَّبَرُّعِ، وَهَذِهِ الْخِلَافَةُ فِي الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَيَتَقَوَّى هَذَا السَّبَبُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، وَالثَّانِي: أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْخِلَافَةِ، وَلِهَذِهِ الْقُوَّةِ قُلْنَا لَا يُحْتَمَلُ الْإِبْطَالُ وَالْفَسْخُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَهَذَا الشَّرْطُ أَوْلَى وَلِهَذِهِ الْقُوَّةِ يَجِبُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَهُ فِي الْحَالِ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ وَيَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ دُخُولَ الدَّارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ وَالتَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ أَيْضًا وَالتَّعْلِيقُ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْخِلَافَةِ.
وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَقُّ بِنَفْسِهِ، وَتَقَرَّرَ بِهَذَا التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ فِي مَعْنَى أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ مَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا وُجُوبُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَبِالْآخَرِ سُقُوطُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمُ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ هَهُنَا دُونَ الْآخَرِ فَيَتَعَدَّى بِذَلِكَ الْمَعْنَى حُكْمُ ثُبُوتِ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ إلَى الْمُدَبَّرِ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُ سُقُوطِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ لِانْعِدَامِ مَعْنَاهُ هُنَا فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، عَلَى هَذَا نَقُولُ وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ يَكُونُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَهَا فِي الْحَالِ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ دَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَمْنَعُونَ سِرَايَتَهُ إلَى الْوَلَدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مِثْلُ أُمِّهِ وَخُوصِمَ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَوْلَادِ مُدَبَّرَةٍ فَقَضَى بِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ عَبْدٌ يُبَاعُ وَمَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ مِثْلُهَا لَا يُبَاعُ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ.
إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ.
رَجُلٌ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ إنْ مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ أَوْ إذَا حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ وَهُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَطْلَقَ الْحَدَثَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَوْتُ عَادَةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِالْيَوْمِ مَا لَا يَمْتَدُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْوَقْتَيْنِ فَيَكُونُ عِبَارَةً عَنْ الْوَقْتِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَقْتَ مَوْتِي فَإِنْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute