للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعْلِهَا وَهُوَ مَا ادَّعَتْ مِنْ وِلَادَتِهَا بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ جَمِيعًا فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُعَيِّنَا الْمَشْهُودَ لَهُ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُجِيزَهَا فِي التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ طَرِيقَ الِاسْتِحْسَانِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ حَقَّ الْمُوصِي دُونَ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ فِيهِمَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ دَبَّرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا أَلْبَتَّةَ فِي صِحَّتِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي الْعِتْقِ الْبَاتِّ بَاطِلَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِهِ لِغَيْرِ الْمُدَّعِي الْمُعَيَّنِ إذْ الْمُدَبَّرُ وَالْقِنُّ فِي الْمَحَلِّيَّةِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُمَا عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي الصِّحَّةِ تَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا فَيَشِيعُ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ وَيَعْتِقُ مِنْ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ فَكَانَ السَّالِمُ لَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ رَقَبَتِهِ وَيَسْعَى فِي سُدُسِ قِيمَتِهِ وَالْآخَرُ يَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ.

وَإِنْ أَقَرُّوا أَنَّ الْعِتْقَ الْبَاتَّ كَانَ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا سَلِمَ لِلْآخَرِ نِصْفُ رَقَبَتِهِ فَيَضْرِبُ هُوَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَالْمُدَبَّرُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ فَيَصِيرُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَالْمَالُ عَلَى تِسْعَةٍ، إلَّا أَنَّ الْمَالَ رَقَبَتُهُمَا وَلَوْ جَعَلْنَا كُلَّ رَقَبَةٍ أَرْبَعَةً وَنِصْفًا لَانْكَسَرَ بِالْأَنْصَافِ فَيَضْعُفُ وَنَجْعَلُهُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كُلُّ رَقَبَةٍ عَلَى تِسْعَةٍ وَقَدْ كَانَ لِلْمُدَبَّرِ سَهْمَانِ فَبِالتَّضْعِيفِ صَارَ أَرْبَعَةً فَلِهَذَا سَلِمَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعِهِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةِ أَتْسَاعِهِ، وَلِلْقِنِّ نِصْفُ ذَلِكَ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي سَبْعَةِ أَتْسَاعِهِ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً (فَإِنْ قِيلَ) لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ لِلْقِنِّ كُلِّهِ لِيَكُونَ كَلَامُهُ مَحْمُولًا عَلَى الصِّحَّةِ فَإِنَّ الْمُدَبَّرَ مُوصًى لَهُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ فَمَا يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ لَغْوًا (قُلْنَا) إنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ جَمِيعًا وَبَقَاءُ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِ يَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْآخَرِ لِلْعِتْقِ الْبَاتِّ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ فِيهِ فَيَعْتِقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ فَلِهَذَا ضَرَبَ فِي الثُّلُثِ بِنِصْفِ رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>