للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَاءَ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ تَمَكُّنُهُ مِنْ ابْتِغَاءِ الْمَالِ وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: ٢٠] الْآيَةَ. فَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودِ بِهِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَعِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ لِلْمُودَعِ احْفَظْهَا فِي بَيْتِك دُونَ بَيْتِ غَيْرِك صَحَّ، كَذَا هَذَا. وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي الِابْتِدَاءِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْمَقْصُودِ بِالْأَدَاءِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهَا عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهَا وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ احْتِمَالِهِ الْفَسْخَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَلِتَحَقُّقِ مَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا الشَّرْطُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ يَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ، وَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النِّكَاحِ

(قَالَ) وَإِنْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمُكَاتَبَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ حُرٍّ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لَهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لِلْمَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ

(قَالَ) وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ وَجَعَلَ نُجُومَهُمَا وَاحِدَةً وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَهَذَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ كَفَالَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَالَةِ، وَلَكِنَّا نُجَوِّزُ هَذَا الْعَقْدَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْإِرْفَاقِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِمَادُ الْمَوْلَى عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلِأَنَّهُ بِهَذَا الْعَقْدِ يَجْعَلُهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا إذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَعَلَّقَ بِهِ عِتْقَ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا صَحَّ ثَبَتَ مُوجَبُهُ وَهُوَ انْقِسَامُ الْبَدَلِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>