للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَعْتِقُ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْفَسَادِ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْدَمُ أَصْلُهُ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ كَانَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ عَلَى الْأَلْفِ إلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً فَإِذَا لَمْ يَنَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ مُكَاتَبَةُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا وَدَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ عَلَيْهِ فَضْلُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّقَبَةَ هُنَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِبَارِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ قِيمَةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ الْأَلْفِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَوْلَى مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ جَمِيعِ الْأَلْفِ لَهُ وَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ يَئُولُ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ

(قَالَ) وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ مَوْلَاهُ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَمَا اسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَكَاسِبِ فَاخْتَصَّ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي مَكَاسِبِهِ فَكَانَ حَالُ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَحَالِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى النُّجُومِ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا كُلُّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَالْأَصْلُ مَمْلُوكٌ لَهُ فَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ وَزُفَرُ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ وَفِي تَنْفِيذِ عِتْقِ الْمَوْلَى فِيهِمْ إبْطَالُ حَقِّهِ عَنْ كَسْبِهِمْ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ مِنْ كَسْبِهِ حُكْمًا لِثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَقَصْدِهِ

(قَالَ) وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا لَا يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ لِقِيَامِ الرِّقِّ الْمُنَافِي فِيهِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْيَدِ وَبِمِلْكِ الْيَدِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِسَبَبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>