مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَالْمُكَاتَبُ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا كَمَا قَرَّرْنَا فَصَرِيحُ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى احْتِيَاطًا
(قَالَ) وَإِذَا أَخَذَ بِالْمُكَاتَبَةِ رَهْنًا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى أَنْ يَتِمَّ ذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِذَا صَارَ مُسْتَوْفًى بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً
(قَالَ) وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ فَأَتَاهُ الْمُكَاتَبُ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثَمَنَ الْوَصِيفِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحَيَوَانَ فِي الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَأَنَّ قِيمَةَ الْوَصِيفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَرْبَعُونَ دِينَارًا
(قَالَ) وَإِذَا كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَوْلَى بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَدَّيْته أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَكَر فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيُّهُمَا أَدَّى الْمَشْرُوطَ أَوْ قِيمَةَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ صُورَةً هُوَ الْمَشْرُوطُ وَالْعِتْقُ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْبَدَلُ الْقِيمَةُ فَأَيَّهُمَا أَدَّى يَعْتِقُ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ
(قَالَ) وَإِنْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالْمَالِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَقْبَلَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ، وَإِنْ صَالَحَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا لِيَحُطَّ مَا بَقِيَ فَهَذَا جَائِزٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مُخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ الرِّبَا فَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى عَبْدٍ مِثْلِهِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَهُوَ خَيَّاطٌ أَوْ شَبَهُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ خَيَّاطٍ أَجَزْتُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute