أَنْ يُكَاتِبَهُمَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَفِي هَذَا إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى حِينَ أَوْجَبَ الْعَقْدَ لَهُمَا بِبَدَلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ وَكَذَلِكَ هُمَا بِالْقَبُولِ إنَّمَا يَلْتَزِمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَبِالْأَدَاءِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى إذَا أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا فِي الرِّقِّ وَلَا يَذْكُرُ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ كَجَوَابِ الثَّانِي يَعْتِقُ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَلْتَزِمْ بِالْقَبُولِ إلَّا حِصَّتَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ أَحَدَهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى جَمِيعَ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ كَفَالَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا شَرَطَ الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ إذَا كَانَ صَحِيحًا شَرْعًا وَقَدْ شَرَطَ الْعِتْقَ عِنْدَ أَدَائِهِمَا جَمِيعَ الْمَالِ نَصًّا فَلَوْ عَتَقَ إحْدَاهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِشَرْطِهِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاءِ حِصَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِ الْمَوْلَى إنْ أَدَّيَا عَتَقَا وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا
فَائِدَةٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَمْنُوعٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا هَذَا كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَلِهَذَا قُلْنَا مَا لَمْ يَصِلْ جَمِيعُ الْمَالِ إلَى الْمَوْلَى لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
رَجُلٌ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَبْدٍ لَهُ غَائِبٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ إذَا قُسِّمَ عَلَى قِيمَتِهِ وَقِيمَةِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي قَبُولِ الْعَقْدِ فِي حَقِّهِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ قَبُولُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُطَالِبَ الْغَائِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ خَاصَّةً وَجَمِيعُ الْبَدَلِ لَيْسَ بِمُقَابَلَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْبَدَلِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى شَرَطَ لِلْعِتْقِ وُصُولَ جَمِيعِ الْمَالِ إلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ فَقَطْ وَلَكِنْ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ كَاتَبَ الْحَاضِرَ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَّقَ عِتْقَ الْغَائِبِ بِأَدَائِهِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمَوْلَى أَوْ يُجْعَلَ الْعَقْدُ كَأَنَّهُ بِقَبُولِ الْحَاضِرِ مُنْعَقِدًا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْغَائِبِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ انْعِدَامِ الْوِلَايَةِ لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ لَا فِي مَنْعِ أَصْلِ الْعَقْدِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ بِكَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُمَا وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ سَبَبًا تَامًّا قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute