وَعَجْزِ مَنْ كَاتَبَهَا وَمَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَمَكَاسِبِهَا وَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِنْ عَجَزَتْ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُكَاتِبِ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ كَحَقِّ الْحُرِّ، فَإِنَّ الثَّابِتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ، وَفِي حَقِّ الْمِلْكِ الْمُكَاتَبُ، وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فَكَمَا أَنَّ الْحُرَّ يَأْخُذُ وَلَدَهُ بِالْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اسْتِحْسَانًا فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنَّ الْحُرَّ إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ كَانَ حُرًّا مِثْلَهُ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا أَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ كَانَ مِثْلَهُ أَيْضًا دَاخِلًا فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ يَحْتَمِلُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَحْتَمِلُ الْحُرِّيَّةَ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى هَذَا الْوَلَدَ نَفَذَ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى.
فَإِنْ كَاتَبَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ، ثُمَّ كَاتَبَ الثَّانِي أَيْضًا عَبْدًا لَهُ، ثُمَّ عَجَزَ الْأَوْسَطُ فَالْمُكَاتَبُ الْآخَرُ يَصِيرُ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ الْأَوْسَطَ صَارَ عَبْدًا قِنًّا لَهُ وَمُكَاتِبُهُ أَيْضًا يَصِيرُ مُكَاتَبًا لَهُ وَلَا يَكُونُ عَجْزُ الْأَوْسَطِ عَجْزًا لِلْآخَرِ فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ كَانَ عَبْدًا لَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعَتَاقِ إذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ ابْنَتًا، ثُمَّ وَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَتَا، ثُمَّ وَلَدَتْ الِابْنَةُ ابْنَتَا ثُمَّ أَعْتَقَ الْمَوْلَى إحْدَاهُنَّ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِتَمَامِهِ هُنَاكَ.
رَجُلٌ كَاتَبَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ مُكَاتَبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَوْلَدَ إحْدَاهُمَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَالْأُمُّ مَعَ الْجَارِيَةِ الْأُخْرَى مُكَاتَبَةً كَمَا كَانَتْ وَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ مُكَاتَبَةً وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَهَا أَنْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ وَتَفْسَخَ الْكِتَابَةَ بِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَهُنَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَعْجِزَ نَفْسُهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ وَتَفْسَخَ الْكِتَابَةَ لِحَقِّ الْأُخْرَى فَإِنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَلَا يَظْهَرُ الْعَجْزُ فِي حَقِّ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ أَدَّتْ الْمُكَاتَبَةَ بَعْدَ مَا عَجَزَتْ هَذِهِ نَفْسُهَا عَتَقَا فَلِهَذَا لَا تُخَيَّرُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا وَلَدَتْ بِنْتًا فَاسْتَوْلَدَ السَّيِّدُ الْبِنْتَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ بِغَيْرِ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ تَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا وَأَوْلَادِهَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهَا، وَفِي هَذَا تَحْصِيلُ مَقْصُودِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ عَجْزُهَا كَانَ وَلَدُ الْوَلَدِ حُرًّا بِغَيْرِ قِيمَةٍ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ فَكَذَلِكَ قَبْلَ عَجْزِهَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ الِابْنَةَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عَنْهَا حُكْمُ تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأُمِّ فِي حَقِّهَا لَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِيلَادِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجْنَاهَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَجَعَلْنَاهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى لَمْ تَعْتِقْ بِأَدَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا تَفْوِيتَ مَقْصُودِهِ فَلِهَذَا أَبْقَيْنَا حُكْمَ الْكِتَابَةِ فِيهَا حَتَّى تَعْتِقَ الْأُمُّ بِالْأَدَاءِ.
مُكَاتَبَةٌ كَاتَبَتْ عَبْدًا، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَدَعْ شَيْئًا قَالَ يَسْعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ فِي كِتَابَتِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي إسْقَاطِ السِّعَايَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ كِتَابَتِهَا مِنْهُ قَبْلَ حَلِّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا عَلَى حُرٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute