للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ تَفَاخُرَهُمْ لَيْسَ بِالنَّسَبِ وَلَكِنَّ تَفَاخُرَهُمْ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِعِمَارَةِ الدُّنْيَا، وَبَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالدِّينِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ مَنْ قَالَ سَلْمَانُ ابْنُ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الضَّعْفُ فِي جَانِبِ الْأَبِ كَانَ هَذَا وَمَا لَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا سَوَاءً، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ ضَعِيفٌ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا فَلَهُ نَسَبٌ مُعْتَبَرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ بِالنَّسَبِ تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَرَبِ وَلَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ. وَالْأَصْلُ فِي النِّسْبَةِ النَّسَبُ. فَإِذَا كَانَ فِي جَانِبِ الْأَبِ نَسَبٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ وَلَاءٌ قَوِيٌّ كَانَ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِعَرَبِيَّةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَإِنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِ أَبِيهِ دُونَ قَوْمِ أُمِّهِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا عَرَبِيَّةً وَكَوْنَهَا مُعْتَقَةً سَوَاءٌ، كَمَا سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا فِي جَانِبِ الْأَبِ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَا بَيْنَهُمَا وَقَالَا فِي الْفَرْقِ: إنَّ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ تُجِزْ عَلَيْهَا نِعْمَةَ عَتَاقٍ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ مُعْتَقَةً فَالْوَلَدُ يُنْسَبُ إلَى قَوْمِهَا بِالْوَلَاءِ وَالنِّسْبَةُ بِالْوَلَاءِ أَقْوَى لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَإِذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَلَوْ انْتَسَبَ الْوَلَدُ إلَى قَوْمِهَا إنَّمَا يُنْسَبُ بِالنَّسَبِ، وَالِانْتِسَابُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمِّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَكَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْأُمِّ إلَى أَبِيهَا حَتَّى لَا تَسْتَحِقُّ الْعُصُوبَةَ بِمِثْلِ هَذَا النَّسَبِ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَيْهِ بِالنَّسَبِ وَإِذَا كَانَ نَسَبُهُ ضَعِيفًا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُصُوبَةَ.

(قَالَ): وَإِذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَةً وَوَلَدَهَا، أَوْ كَانَتْ حُبْلَى حِينَ أَعْتَقَهَا، أَوْ أُعْتِقَتْ وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقَدْ أَعْتَقَ الْأَبَ رَجُلٌ آخَرُ، كَانَ الْوَلَدُ مَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ مَعَ أُمِّهِ دُونَ مَنْ أَعْتَقَ أَبَاهُ. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مُنْفَصِلًا عَنْهَا فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِمَالِك الْأُمِّ فَتَنَاوَلَهُ الْعِتْقُ مَقْصُودًا وَالْوَلَدُ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِوَلَاءِ الْعِتْقِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَبِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حُبْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ بِإِعْتَاقِهَا يُعْتَقُ مَقْصُودًا فَإِنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى يُفْرَدَ بِالْعِتْقِ، فَهُوَ وَالْمُنْفَصِلُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ مِنْ حِينِ أُعْتِقَتْ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ حِينَ أُعْتِقَتْ وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ التَّوْأَمَ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا حِينَ أُعْتِقَتْ التَّيَقُّنُ بِوُجُودِ الْآخَرِ، فَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ هَذَا الْوَلَدِ حِينَ أُعْتِقَتْ فَكَانَ مَوْلًى لِمَوَالِي الْأُمِّ تَبَعًا.

وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ إذَا كَانَ قَائِمًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>