للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٍ وَوَالَاهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ ابْنُهُ عَلَى يَدَيْ آخَرَ وَوَالَاهُ، كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الَّذِي وَالَاهُ، وَلَا يَجُرُّ بَعْضُهُمْ وَلَاءَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَتَاقِ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِي سَبَبِ الْوَلَاءِ، وَهُوَ الْعَقْدُ وَلَوْ كَانَ مَقْصُودًا فِي سَبَبِ وَلَاءِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَمْ يَجُرَّ أَحَدُهُمَا وَلَاءَ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ الثَّانِي لَا يَصِيرُ مَوْلًى لِمَوَالِي أَبِيهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبُ الْوَلَاءِ الْعَقْدُ لَا الْإِسْلَامُ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْعَقْدِ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ، فَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ فِيهِ تَبَعًا لِأَبِيهِ.

حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ وَوَالَى مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ هُوَ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعَقْدُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْآخَرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنَاصُرُ، وَالْمُسْلِمُ يَقُومُ بِنُصْرَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ، أَوْ يُعْتَبَرُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِوَلَاءِ الْعِتْقِ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ مَوْلًى لَهُ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُوَالَاةِ، فَإِنْ سَبَى ابْنَهُ فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُزْ وَلَاءُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَتْبَعُ وَلَدَهُ فِي الْوَلَاءِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، وَالْوَالِدُ لَا يُنْسَبُ إلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ وَالْأَصْلُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْفَرْعِ، فَلِهَذَا لَا يَجُرُّ الِابْنُ وَلَاءَ الْأَبِ، وَإِنْ سُبِيَ أَبُوهُ فَأُعْتِقَ جَرَّ وَلَاءَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ لَا يَظْهَرُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَاءِ الْعِتْقِ، فَكَانَ الِابْنُ بَعْدَ عِتْقِ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ، فَيَجُرُّ الْأَبُ وَلَاءَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ الْأَبُ وَوَالَى رَجُلَانِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ هُنَا مُسَاوٍ لِوَلَاءِ الْأَبِ، فَيَظْهَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلًى لِمَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ ابْنُ ابْنِهِ لَمْ يُسْبَ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَوَالَاهُ ثُمَّ سُبِيَ الْجَدُّ فَأُعْتِقَ لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَ نَافِلَتِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْجَدَّ لَا يَجُرُّ الْوَلَاءَ إلَّا أَنْ يَجُرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ جَرُّهُ وَلَاءَ ابْنِهِ فِيمَا إذَا سُبِيَ أَبُوهُ فَاشْتَرَاهُ هَذَا الْجَدُّ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ، فَيَصِيرُ ابْنُهُ مَوْلًى لِمَوَالِيهِ، وَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاءُ النَّافِلَةِ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، فَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ الِابْنُ غَيْرَهُ فَالْجَدُّ لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُ؛ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالْعِتْقِ وَلَا يَجُرُّ وَلَاءَ وَلَدِهِ أَيْضًا

(قَالَ): وَمُوَالَاةُ الصَّبِيِّ بَاطِلَةٌ، يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ صَبِيٍّ وَوَالَاهُ؛ لِأَنَّ بِالْعَقْدِ يَلْتَزِمُ نُصْرَتَهُ فِي الْحَالِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الْعَاقِلَةِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ وَوَالَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ بِالْعَقْدِ وَمِنْ أَهْلِ اكْتِسَابِ سَبَبِ الْوَلَاءِ بِالْعِتْقِ، فَكَذَلِكَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ وَالَى رَجُلٌ عَبْدًا لَمْ نُجِزْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَوْلًى لَهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ الْتِزَامِ النُّصْرَةِ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ بِدُونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>