للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمِ أَقْوَى مِنْ النَّسَبِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْلَ جِنَايَتِهَا يَكُونُ عَلَى قَوْمِ مُعْتِقِهَا، وَلَوْ أَعْتَقَتْ بَعْدَ هَذَا عَبْدًا كَانَ مَوْلًى لِقَوْمِ مُعْتِقِهَا، فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ وَقَبْلَ الرِّدَّةِ إنَّمَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِانْعِدَامِ وَلَاءِ الْعِتْقِ عَلَيْهَا، فَإِذَا ظَهَرَ وَلَاءُ الْعِتْقِ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ كَمَا يُنْسَبُ الْوَلَدُ بِالْوَلَاءِ إلَى قَوْمِ أُمِّهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ أَبِيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ كَانَ الْحُكْمُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُعْتَقَةً لِلْأَوَّلَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَاءَ الثَّابِتَ عَلَيْهَا لِلْأَوَّلَيْنِ قَدْ بَطَلَ حِينَ سُبِيَتْ وَأُعْتِقَتْ، فَكَذَلِكَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مِنْ وَلَاءِ مُعْتِقِهَا.

رَجُلٌ ذِمِّيٌّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، ثُمَّ نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ وَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِهِ، وَإِنْ صَارَ حَرْبِيًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ صَيْرُورَتَهُ حَرْبِيًّا كَمَوْتِهِ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ بِالْوَلَاءِ لِلْإِنْسَانِ، وَإِنَّمَا يَعْقِلُ بَيْتُ الْمَالِ عَمَّنْ لَا عَشِيرَةَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا وَرَثَةَ.

وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ أَعْتَقَتْ عَبْدًا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ أَبُوهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَافِرًا فَأَعْتَقَهُ رَجُلٌ لَمْ يَجْرِ وَلَاءُ مَوْلَاهَا؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حَرْبِيَّةٌ، فَلَا تَصِيرُ مَوْلًى لِمَوَالِي أَبِيهَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ لَا يَجْرِي عَلَى الْحَرْبِيَّةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا يَنْجَرُّ وَلَاءُ مُعْتَقِهَا إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِوَاسِطَتِهَا، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ الْوَاسِطَةُ فِي حَقِّهِمْ لَا يَنْجَرُّ إلَيْهِمْ الْوَلَاءُ، فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا فَجَنَى جِنَايَةً، فَعَقْلُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ أَعْتَقَتْ الْعَبْدَ كَانَ وَلَاؤُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَنَتْ كَانَ عَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي حَقِّ مَوْلَاهَا، ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ رِدَّتِهَا كَمَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهَا لَوْ مَاتَتْ؛ لِأَنَّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَالْمَيِّتِ.

امْرَأَةٌ مِنْ الْعَجَمِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَعْتَقَتْ عَبْدًا، ثُمَّ سُبِيَ أَبُوهَا فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ فَأَعْتَقَهُ، فَإِنَّ وَلَاءَ الْمَرْأَةِ وَوَلَاءَ مَوْلَاهَا إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَيَنْجَرُّ بِوَاسِطَتِهَا وَلَاءُ مُعْتَقِهَا إلَى مَوَالِي الْأَبِ أَيْضًا؛ وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ عَلَيْهَا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تُوَالِيَ إنْسَانًا، فَلَا يُمْنَعُ جَرُّ وَلَائِهَا إلَى قَوْمِ الْأَبِ بَعْدَ مَا عَتَقَ الْأَبُ.

حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا مُسْلِمًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَأُسِرَ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ وَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يُسْلِمَ فَقُتِلَ فَوَلَاءُ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى لَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَوْتِهِ، وَالْوَلَاءُ الثَّابِتُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ كَانَ عَقْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَعَقْلُهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَنْسُوبٌ بِالْوَلَاءِ إلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ عَقْلِ جِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ جُعِلَ عَلَى نَفْسِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>