للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا رُوِيَ فَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ؛ لِأَنَّ ثُمَّ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: ١٧]، أَيْ وَكَانَ {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ} [يونس: ٤٦]، أَيْ وَاَللَّهُ شَهِيدٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّكْفِيرِ جَائِزٌ.

بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ: أَنَّهُ لَا تَوْكِيلَ فِي الْعِبَادَةِ أَصْلًا لِظَاهِرِ قَوْلِهِ {: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ فِيمَا هُوَ مَالِيُّ الِابْتِدَاءِ بِإِخْرَاجِ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ عَنْ مِلْكِهِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّائِبِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْوَظِيفَةَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَذُكِرَ بَعْدَهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِثْلُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ دَقِيقَ الْحِنْطَةِ وَسَوِيقَهَا بِمَنْزِلَةِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ لِلْفَقِيرِ بِهِمَا مَعَ سُقُوطِ مُؤْنَةِ الطَّحْنِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ، سَوَاءٌ كَانَ خُبْزُ الْبُرِّ مَعَ الطَّعَامِ أَوْ بِغَيْرِ إدَامٍ، وَإِنْ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَتَى مِنْ كُلِّ وَظِيفَةٍ بِنِصْفِهِ، وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ، وَفِيهِمْ صَبِيٌّ فُطِمَ، أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُجْزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي كَمَالَ الْوَظِيفَةِ كَمَا يَسْتَوْفِيهِ الْبَالِغُ، وَعَلَيْهِ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ مَكَانَهُ، فَإِنْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ اسْتَقْبَلَ الطَّعَامَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِيصَالِ وَظِيفَةٍ كَامِلَةٍ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ، وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينِهِ، فَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُعَشِّيَهُمْ، فَعَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ، فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِاتِّصَالِ وَظِيفَةٍ كَامِلَةٍ إلَى كُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ ضَامِنًا لِمَا أَطْعَمَ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا صَنَعَ كَانَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ، وَكَانَ بَقَاؤُهُمْ إلَى أَنْ يُعَشِّيَهُمْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَلَوْ كَانَ أَوْصَى بِأَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ فَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةً فَمَاتُوا فَإِنَّهُ يُعَشِّي عَشَرَةً أُخْرَى، وَيَكْفِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ أَكْلَتَانِ فَقَطْ دُونَ إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ بِهِمَا، وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا فِي بَابِ الظِّهَارِ أَنَّ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَفَرِّقَةِ كَالْمَسَاكِينِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ تَفْرِيقِ الدَّفَعَاتِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ، فَكَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ.

وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ إطْعَامَ فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>