غَيْرِ خَادِمٍ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الرَّقَبَةَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَمَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِيهِ الصَّوْمُ، وَفِي الْكِتَابِ عِلَلٌ فَقَالَ: لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَذْهَبَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأَمَالِي، أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ حَاجَتِهِ دُونَ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لَهُ، فَلَا يَكُونُ مُوسِرًا وَلَا غَنِيًّا، فَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَمْلِكُ فَضْلًا عَنْ حَاجَتِهِ مِقْدَارَ مَا يُكَفِّرُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْوُجُودُ دُونَ الْغِنَى وَالْيَسَارِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المائدة: ٨٩] وَهَذَا وَاجِدٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ مِلْكُهُ مِقْدَارَ مَا يُؤَدِّي بِهِ الضَّمَانَ، وَإِنْ كَانَ الْيَسَارُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَهُنَا أَوْلَى، وَبَيَّنَّا فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا عَنْ ظِهَارَيْنِ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْكَفَّارَةِ، فَكَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَإِنْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ ثَوْبًا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ كِسْوَتُهُ وَهُوَ مَا يَصِيرُ بِهِ مُكْتَسِيًا، وَبِعُشْرِ الثَّوْبِ لَا يَكُونُ مُكْتَسِيًا، وَيُجْزِي مِنْ الطَّعَامِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ يُسَاوِيهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُجْزِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْكِسْوَةَ بَدَلًا عَنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ إنَّمَا نَوَاهُ بَدَلًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَاوٍ لِلتَّكْفِيرِ بِهِ وَذَلِكَ يَكْفِيهِ، كَمَا لَوْ أَدَّى الدَّرَاهِمَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ يُجْزِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الطَّعَامِ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: الدَّرَاهِمُ لَيْسَتْ بِأَصْلٍ فَأَدَاؤُهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ قَصْدًا إلَى الْبَدَلِ، فَأَمَّا الْكِسْوَةُ أَصْلٌ فَأَدَاؤُهَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لَا يَكُونُ قَصْدًا إلَى جَعْلِهَا بَدَلًا عَنْ الطَّعَامِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ عُشْرُ الثَّوْبِ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الْكِسْوَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، فَهُوَ وَأَدَاءُ الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ.
مُسْلِمٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ، فَحَنِثَ فِيهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ الْتَحَقَ بِالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، وَلِهَذَا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: ٥]. وَكَمَا أَنَّ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ لِلْيَمِينِ الْمُوجِبَةِ لِلْكَفَّارَةِ، فَكَذَلِكَ الرِّدَّةُ تُنَافِي بَقَاءَ الْيَمِينِ الْمُوجِبَةِ لِلْكَفَّارَةِ.
وَإِذَا جَعَلَ الرَّجُلُ لِلَّهِ عَلَى نَفْسِهِ إطْعَامَ مِسْكِينٍ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ وَكَيْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، وَهُوَ شَيْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ طَعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ اعْتِبَارًا لِمَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ، وَأَدْنَى ذَلِكَ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ قَالَ فِي نَذْرِهِ: إطْعَامُ الْمَسَاكِينِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute