للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَيْمَانَ لَا تَنْبَنِي عَلَى لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ سُمِّيَ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ بَيْتًا، فَقَالَ {: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١]. ثُمَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْبَيْتِ فِي الْيَمِينِ يَتَنَاوَلُهُ. (قَالَ): وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاكِنِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَيْتٍ حَنِثَ فِيهِ، وَإِنْ دَخَلَ، وَمُرَادُهُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَادَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ، وَلَمْ يَنْوِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الدُّخُولُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَ زِيَارَتَهُ، أَوْ الِاسْتِخْفَافَ بِهِ بِأَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ، وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ إذَا لَمْ يَنْوِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّقَّاءَ يَدْخُلُ دَارَ الْأَمِيرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا يُقَالُ: دَخَلَ عَلَى الْأَمِيرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَنْوِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، وَالْحَالِفُ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ قَدْ وُجِدَ، وَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِاعْتِبَارِ جَهْلِهِ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ، وَلَمْ يُسَمِّ بَيْتًا، وَلَمْ يَنْوِهِ فَدَخَلَ دَارًا هُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ مِنْهَا لَا يَرَاهُ الدَّاخِلُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ، أَرَأَيْت أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا مَنَازِلُ، فَدَخَلَ مَنْزِلًا مِنْهَا، وَفُلَانٌ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ كَانَ يَحْنَثُ، إنَّمَا يَقَعُ الْيَمِينُ فِي هَذَا إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ صِفَةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ دَاخِلًا عَلَيْهِ حَقِيقَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِ دَارًا، فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ دَارِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى دَارًا؛ لِأَنَّهُ يُشَدِّدُ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا وَهُوَ فِيهِ دَاخِلٌ فَمَكَثَ فِيهِ أَيَّامًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهِ. إنَّمَا وُجِدَ الْمُكْثُ فِيهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ الدُّخُولِ، وَهَذَا بِخِلَافِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَدَامٌ يُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ فَتَكُونُ لِلِاسْتِدَامَةِ فِيهِ حُكْمُ الْإِنْشَاءِ، فَأَمَّا الدُّخُولُ فَلَيْسَ بِمُسْتَدَامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ: دَخَلَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، إنَّمَا يُقَالُ: دَخَلَ وَمَكَثَ فِيهِ يَوْمًا وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لِأَدْخُلَنَّهُ غَدًا، فَأَقَامَ فِيهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ وُجُودُ فِعْلِ الدُّخُولِ فِي غَدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، إنَّمَا وُجِدَ الْمُكْثُ فِيهِ فَإِذَا نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، فَإِنَّ الدُّخُولَ لِمَقْصُودِ الْإِقَامَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ الدُّخُولِ كِنَايَةً عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ.

وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُهَا إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ فَدَخَلَهَا لِيَقْعُدَ فِيهَا، أَوْ يَعُودَ مَرِيضًا، أَوْ يُطْعِمَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الدُّخُولِ، وَاسْتَثْنَى دُخُولًا بِصِفَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَابِرَ سَبِيلٍ أَيْ مُجْتَازًا وَمَارَّ طَرِيقٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣]. وَقَدْ وُجِدَ الدُّخُولُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَثْنَى فَيَحْنَثُ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>