للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا عَلَيْهِ حِذَاءٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّخُولِ عَرْفًا، فَإِذَا نَوَى حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَضَعَ قَدَمَهُ مَاشِيًا فَدَخَلَهَا رَاكِبًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا، فَإِنَّ الْقَائِمَ عَلَى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِهَا لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ أُخِذَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَمَعَهُ الْمَالُ لَمْ يُقْطَعْ، كَمَا لَوْ أُخِذَ فِي صَحْنِ الدَّارِ. تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، فَيَكُونُ الْحَائِطُ دَاخِلًا فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّارِ، فَقَامَ عَلَى السَّطْحِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَامَ عَلَى سَطْحِ الدَّارِ يَسْتَخِيرُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَقُولَ: بِتُّ اللَّيْلَةَ فِي دَارِي، وَلَوْ قَامَ فِي طَلْقِ بَابِ الدَّارِ، وَالْبَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا، فَكُلُّ مَوْضِعٍ إذَا رُدَّ الْبَابُ بَقِيَ خَارِجًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الدَّارِ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُدَّ الْبَابُ بَقِيَ دَاخِلًا، فَهَذَا قَدْ دَخَلَهَا فَيَحْنَثُ.

وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا فَحَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَقَامَ فِي مَقَامٍ يَكُونُ الْبَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ إذَا أُغْلِقَتْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ انْفِصَالٌ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ حِينَ وَصَلَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا فَأَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ بِالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَكُونُ بِأَحَدِهِمَا خَارِجًا وَلَا دَاخِلًا، أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَعَدَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَعَلَّمَهُ بَعْدَ مَا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ»، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِوَعْدِهِ. مِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ وَالْخَارِجُ مُسْتَوِيَانِ، فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ أَسْفَلَ مِنْ الْخَارِجِ فَبِإِدْخَالِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ يَصِيرُ دَاخِلًا؛ لِأَنَّ عَامَّةَ بَدَنِهِ تَمَايَلَ إلَى الدَّاخِلِ، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ أَسْفَلَ مِنْ الدَّاخِلِ فَبِإِخْرَاجِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ يَصِيرُ خَارِجًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ حَقِيقَةً، فَلَا يَحْنَثُ، وَاعْتِبَارُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ حَانِثًا، وَالرِّجْلُ الْأُخْرَى تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ حَائِطٍ لَهَا حَتَّى قَامَ عَلَى سَطْحٍ مِنْ سُطُوحِهَا، فَقَدْ دَخَلَهَا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ السَّطْحَ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ فَالدَّاخِلُ إلَيْهِ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا، وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا مِنْ تِلْكَ الدَّارِ قَدْ شَرَعَ السِّكَّةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، وَهَذَا إذَا كَانَ لِذَلِكَ الْبَيْتِ بَابٌ فِي الدَّارِ وَبَابٌ فِي السِّكَّةِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي عُلُوِّهَا عَلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ، أَوْ دَخَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>