فَإِنْ قِيلَ): مَقْصُودُهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِكَيْ لَا يَرَاهَا الْأَجَانِبُ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْبَابِ وَغَيْرِ الْبَابِ. (قُلْنَا): اعْتِبَارُ مَقْصُودِهِ يَكُونُ مَعَ مُرَاعَاةِ لَفْظِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلْغَاءُ اللَّفْظِ لِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ قَدْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْبَابِ؛ لِكَيْ لَا يَرَاهَا الْجَارُ الْمُحَاذِي، وَرُبَّمَا يَتَّهِمُهَا بِإِنْسَانٍ إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْبَابِ رَآهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَرَهَا، وَرُبَّمَا يَكُونُ عَلَى الْبَابِ كَلْبٌ عَقُورٌ، فَكَانَ تَقْيِيدُ الْبَابِ مُفِيدًا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ عَلَى بَابٍ بِعَيْنِهِ، فَخَرَجَتْ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِأَوْلَادِهِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {: لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ.} [يوسف: ٦٧] وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْرًا بِمَا هُوَ مُفِيدٌ.
وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَأَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَعُ، لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هُوَ إذْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِعْلُ الْأَذَانِ يَتِمُّ بِهِ كَالرِّضَا، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِرِضَاهُ فَرَضِيَ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ فَخَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ، فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: الْإِذْنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، أَوْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣]. وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، بِخِلَافِ الرِّضَا فَإِنَّهُ بِالْقَلْبِ، يَكُونُ تَوْضِيحُهُ: أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا تَتَجَاسَرَ بِالْخُرُوجِ قَبْلَ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ إذَا لَمْ تَسْمَعْ بِإِذْنِهِ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ عَلَيْهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَّا فِي كَذَا فَخَرَجَتْ لِذَلِكَ مَرَّةً، ثُمَّ خَرَجَتْ فِي غَيْرِهِ حَنِثَ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنْ كَانَ عَنَى لَا تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَرَّةَ إلَّا فِي كَذَا، فَخَرَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ خَرَجَتْ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِذَلِكَ ثُمَّ بَدَا لَهَا فَانْطَلَقَتْ فِي حَاجَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ تَنْطَلِقْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا بِالصِّفَةِ الْمُسْتَثْنِي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدَ مِنْهَا الذَّهَابَ فِي حَاجَةٍ أُخْرَى لَا الْخُرُوجَ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ الْخُرُوجُ.
وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مَعَ فُلَانٍ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَخَرَجَتْ مَعَ غَيْرِهِ، أَوْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا، ثُمَّ لَحِقَهَا فُلَانٌ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَلَمْ تَكُنْ مَعَ فُلَانٍ، وَذَلِكَ شَرْطُ حِنْثِهِ، فَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَحِقَهَا فُلَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ عَلَيْهَا بَيْتًا فَدَخَلَ فُلَانٌ أَوَّلًا، ثُمَّ دَخَلَتْ هِيَ فَاجْتَمَعَا فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى فُلَانٍ، وَشَرْطُ حِنْثِهِ دُخُولُ فُلَانٍ عَلَيْهَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ فَدَخَلَتْ بَيْتًا أَوْ كَنِيفًا فِي عُلُوِّهَا شَارِعًا إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ، لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا إلَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute