للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَإِنَّهُ يَحْمِلُ الْأَيْمَانَ عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤]، وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْدُ هَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ قَالَ {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: ٥٥]، ثُمَّ مَعْنَى اللَّحْمِيَّةِ نَاقِصٌ فِي السَّمَكِ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ فِي السَّمَكِ دَمٌ، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ، وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ لَا يُسْتَعْمَلُ السَّمَكُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ فِي اتِّخَاذِ الْبَاحَاتِ مِنْهُ، وَبَائِعُ السَّمَكِ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا، وَالْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ مُعْتَبَرٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى السَّمَكَ، فَحِينَئِذٍ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ لَا تَدْخُلُ الْمُخْتَلِعَةُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ: وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ.

قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ أَكَلَ رِئَةً أَوْ كَبِدًا لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ طِحَالًا، وَإِنْ أَكَلَ لَحْمَ غَنَمٍ أَوْ طَيْرٍ مَشْوِيٍّ أَوْ مَطْبُوخٍ أَوْ قَدِيدٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَأْكُولَ لَحْمٌ مُطْلَقٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَعْنَى الْغِذَاءِ تَامٌّ فِيهِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ حَتَّى لَوْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ إنْسَانٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي مَعْنَى اللَّحْمِيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّ كَمَالَ مَعْنَى اللَّحْمِيَّةِ بِتَوَلُّدِهِ مِنْ الدَّمِ، وَمَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالطُّيُورِ فِيهَا دَمٌ. (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الرُّءُوسِ فَإِنَّمَا عَلَى الرَّأْسِ لَحْمٌ لَا يُقْصَدُ بِأَكْلِهِ سِوَى أَكْلِ اللَّحْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الشِّرَاءِ لَا يَتِمُّ بِهِ بِدُونِ الْبَائِعِ، وَبَائِعُ الرَّأْسِ يُسَمَّى رَآَّسًا لَا لَحَّامًا، فَكَذَلِكَ هُوَ لَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا لِلَّحْمِ بِشِرَاءِ الرَّأْسِ، فَأَمَّا الْأَكْلُ يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمَأْكُولِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْبُطُونِ كَالْكِرَاشِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ قِيلَ: هَذَا بِنَاءً عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَإِنَّهُمْ يَبِيعُونَ ذَلِكَ مَعَ اللَّحْمِ فَأَمَّا فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَا يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ عَادَةً، لَا يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ، وَاللَّحْمُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الدَّمِ وَالْكَبِدِ، وَالطِّحَالُ عَيْنُهُ دَمٌ فَمَعْنَى اللَّحْمِيَّةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ فَإِنَّهُ لَحْمٌ، إلَّا أَنَّهُ سَمِينٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُبَاعُ مَعَ اللَّحْمِ، وَأَنَّهُ يُسَمَّى سَمِينَ اللَّحْمِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي شَحْمِ الْبَطْنِ وَالْأَلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي عَنْهُ اسْمَ اللَّحْمِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ شَحْمٌ، وَلَيْسَ بِلَحْمٍ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ فِي اتِّخَاذِ الْبَاحَاتِ وَالْأَلْيَةِ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ بَلْ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ، وَفِيهِ مَقْصُودٌ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُعْمَلُ فِيهِ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إدَامًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَالْإِدَامُ الْخَلُّ وَالزَّيْتُ وَاللَّبَنُ وَالزُّبْدُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا يَصْطَبِغُ الْخُبْزُ بِهِ، وَيَخْتَلِطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>