للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالطَّلْعِ يَجُوزُ كَيْف مَا كَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا صَارَ رُطَبًا؛ لِأَنَّ الْبُسْرَ عَيْنُهُ مَأْكُولٌ، وَلِأَنَّ الرُّطَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْبُسْرِ، إلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ تَنَاوُلِ الْبُسْرِ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ تَنَاوُلِ الرُّطَبِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى عَيْنٍ بِوَصْفٍ، يَدْعُو ذَلِكَ الْوَصْفَ إلَى الْيَمِينِ، يَتَقَيَّدُ الْيَمِينُ بِبَقَاءِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ، فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا صَارَ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الرُّطُوبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ، فَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْسَانُ مِنْ تَنَاوُلِ الرُّطَبِ دُونَ التَّمْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ، فَكَلَّمَهُ بَعْدَ مَا شَاخَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الشَّابِّ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ، فَأَكَلَهُ بَعْدَ مَا كَبِرَ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا السَّوِيقِ، فَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ غَيْرُ الْأَكْلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {: كُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ٦٠]، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَدَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ فَشَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَأَكْلُ اللَّبَنِ بِأَنْ يُثْرَدَ فِيهِ الْخُبْزُ، وَشُرْبُهُ أَنْ يَشْرَبَهُ كَمَا هُوَ، وَلَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مِمَّا يُصْنَعُ مِنْهُ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ مَأْكُولٌ، وَقَدْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ مِنْ هَذَا الْخَمْرِ، فَذَاقَهُ بَعْدَ مَا صَارَ خَلًّا لَمْ يَحْنَثْ.

وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا السَّوِيقَ، فَأَكَلَهُ كُلَّهُ إلَّا حَبَّةً مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى فِي الْعَادَةِ أَكْلٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَكْلُ كُلِّهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْقِي حَبَّةً فِي الْإِنَاءِ، وَبَيْنَ لَهَوَاتِهِ وَأَسْنَانِهِ، فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْبِرُّ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُتَعَارَفًا بَيْنَ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ، فَأَكَلَهَا كُلَّهَا إلَّا حَبَّةً وَاحِدَةً، كَانَ قَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الرُّمَّانَةِ هَكَذَا يَكُونُ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْكُلَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْقِطُ مِنْهُ حَبَّةً، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ قَدْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ حَقِيقَةِ كَلَامِهِ، وَلَوْ مَصَّ مَاءَهَا وَرَمَى بِالْحَبِّ لَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءٌ حَلَفَ عَلَى أَكْلِهَا أَوْ شُرْبِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ، وَلَكِنَّهُ مَصٌّ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: أَيَّتُكُمَا أَكَلَتْ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَكَلَتَا جَمِيعًا لَمْ تَطْلُقَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيِّ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَشَرْطُ الطَّلَاقِ أَكْلُ الْوَاحِدَةِ جَمِيعَ الرُّمَّانَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلَنَّ سَمْنًا، فَأَكَلَ سَوِيقًا، قَدْ لُتَّ بِسَمْنٍ، وَأَوْسَعَ حَتَّى يَسْتَبِينَ فِيهِ طَعْمَهُ، وَيَرَى مَكَانَهُ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ سَمْنٌ يُوجَدُ طَعْمُهُ، وَيَسْتَبِينُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ طَعْمُهُ، وَلَا يُرَى مَكَانُهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>