للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَيْهِ وَبِخِلَافِ الْإِبْرَيْسَمِ مَعَ الْغَزْلِ فَإِنَّ الْإِبْرَيْسَمَ يَغْلِبُ عَلَى الْغَزْلِ فِي نِسْبَةِ الثَّوْبِ إلَيْهِ حَتَّى يُسَمَّى مُلْحَمًا وَإِنْ كَانَ سَدَاهُ قُطْنًا وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الْقُطْنَ فَجَعَلَهُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ هَكَذَا يُلْبَسُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ بَنَى هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ فَلَا يَشْكُلُ عَلَى مَنْ يَتَأَمَّلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا قَدْ سَمَّاهُ بِعَيْنِهِ فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى أَوْ اشْتَمَلَ بِهِ حَنِثَ، وَالْقَمِيصُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ قَمِيصًا فَاتَّزَرَ بِقَمِيصٍ أَوْ ارْتَدَى بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْقِيَاسِ فِي الْفَصْلَيْنِ سَوَاءٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الْوَصْفَ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُعْتَبَرٌ وَفِي الْمُعَيَّنِ لَا يُعْتَبَرُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِوَصْفِهِ، ثُمَّ لُبْسُ الْقَمِيصِ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُتَعَارَفٌ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْقَمِيصَ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى اللُّبْسِ بِالصِّفَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِذَا اتَّزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى بِهِ لَمْ يَحْنَثْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا لَبِسْت الْيَوْمَ قَمِيصًا كَانَ صِدْقًا؟ وَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ لَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَبِسَهُ كَانَ حَانِثًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ وَقَدْ اتَّزَرَ بِهِ كَانَ كَاذِبًا؟ وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا لَيْسَ لَهُ كُمَّانِ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قَمِيصًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُمٌّ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ كَالدِّرْعِ وَقَدْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ لِدِرْعِهِ كُمَّيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَمِيصَ وَالدِّرْعَ يُنْسَبُ إلَى الْبَدَنِ فَلَا يَنْعَدِمُ الِاسْمُ بِعَدَمِ الْكُمَّيْنِ، كَالرَّجُلِ يُسَمَّى رَجُلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدَانِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَوَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يُرِيدُ بِهِ الْحَمْلَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ حَافِظٌ لَا مُسْتَعْمِلٌ لَابِسٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِينَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَمَانَةِ لَمْ يَضْمَنْ؟ وَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْ الثِّيَابِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُدَنْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ ثَوْبِ فُلَانٍ شَيْئًا وَهُوَ يَنْوِي مَا عِنْدَهُ فَاشْتَرَى فُلَانٌ ثِيَابًا فَلَبِسَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ فَإِنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي مِلْكٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ وَنَوَى حَقِيقَةَ الْإِضَافَةِ فِي الْحَالِ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيُجْعَلُ مَا نَوَى كَالْمَلْفُوظِ بِهِ

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْسُو فُلَانًا شَيْئًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكَسَاهُ قَلَنْسُوَةً أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ جَوْرَبَيْنِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْلِيكِ وَمَا مَلَكَهُ شَيْءٌ فَيَتِمُّ شَرْطُ حِنْثِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَكْسُوهُ ثَوْبًا فَإِنَّ الثَّوْبَ مَا يَكُونُ سَاتِرًا لِبَدَنِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْخُفِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَلِهَذَا لَا تَتَأَدَّى بِهِمَا الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَكْسُوهُ ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَا كَسَاهُ الثَّوْبَ وَإِنَّمَا وَهَبَ لَهُ الدَّرَاهِمَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمَشُورَةٍ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا وَإِنْ شَاءَ غَيْرَهُ فَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِثَوْبِ كِسْوَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>