مَجِيءِ الْوَقْتِ الْمُسَمَّى أَوْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْيَمِينَ الْمُؤَقَّتَةَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ مُوجَبًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسَمَّى، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ تَرْكُ فِعْلِ الْأَدَاءِ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَيْهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى إلَى وَكِيلِ الطَّالِبِ بَرَّ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ إلَى وَكِيلِ الطَّالِبِ كَدَفْعِهِ إلَى الطَّالِبِ
وَإِنْ حَلَفَ لَا يُعْطِيَهُ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فَأَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الْإِعْطَاءِ وَجَعَلَ لِذَلِكَ غَايَةً وَهُوَ إذْنُ فُلَانٍ فَبِمَوْتِ فُلَانٍ تَفُوتُ الْغَايَةُ وَذَلِكَ يُوجِبُ صَيْرُورَةَ الْيَمِينِ مُطْلَقَةً لِإِطْلَاقِهَا وَإِذْنُ فُلَانٍ كَانَ مَانِعًا مِنْ الْحِنْثِ فَبِفَوَاتِهِ يَتَحَقَّقُ اتِّحَادُ شَرْطِ الْحِنْثِ وَلَا يَنْعَدِمُ وَهُمَا يَقُولَانِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الدَّفْعِ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ إذْنُ فُلَانٍ وَقَدْ فَاتَ إذْنُهُ بِمَوْتِهِ فَيَفُوتُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْعَقْدُ لَا يَبْقَى بَعْدَ فَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَوْضِيحُهُ أَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الدَّفْعِ مُطْلَقًا لَا مُؤَقَّتًا وَهَذَا الْمُطْلَقُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِيَمِينِهِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْ بَعْدُ، وَلِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ تَرْكَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ فُلَانٍ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَفُوتُ شَرْطُ الْحِنْثِ بِمَوْتِ فُلَانٍ.
وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ وَفُلَانٌ قَدْ مَاتَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حِنْثٌ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ حِينَ حَلَفَ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ أَوْ لَيُكَلِّمَنَّهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -: يَحْنَثُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْيَمِينَ إلَى مَحَلِّهَا فَانْعَقَدَتْ، ثُمَّ شَرْطُ الْبِرِّ فَاتَ مِنْهُ، وَفَوَاتُ شَرْطِ الْبِرِّ يُوجِبُ الْحِنْثَ كَمَا لَوْ كَانَ عَالِمًا بِمَوْتِهِ أَوْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ مَحَلَّ الْيَمِينِ خَبَرٌ فِي الْمُسْتَقْبِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَادِرًا عَلَيْهِ أَوْ عَاجِزًا عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَمَسَّنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَأُحَوِلَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؟ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ عَاجِزًا عَنْ إيجَادِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: مَحَلُّ الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْحَظْرِ أَوْ لِلْإِيجَابِ أَوْ لِإِظْهَارِ مَعْنَى الصِّدْقِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ فَمَقْصُودُهُ إزْهَاقُ رُوحٍ مَوْجُودَةٍ فِيهِ وَقْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute