وَلَمْ يَحْنَث عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ لَفْظِهِ وَمَا اشْتَرَى غَيْرَ الْبَنَفْسَجِ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَقِلَ إلَى الدُّهْنِ رَائِحَةُ الْبَنَفْسَجِ لَا عَيْنَهُ وَلَكِنَّا نَعْتَبِرُ الْعُرْفَ فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ اسْمَ الْبَنَفْسَجِ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ الدُّهْنُ وَيُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلْبَنَفْسَجِ أَيْضًا وَلَوْ اشْتَرَى وَرَقَ الْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ أَيْضًا، وَهَذَا شَيْءٌ يَنْبَنِي عَلَى الْعُرْفِ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بَائِعُ الْوَرَقِ لَا يُسَمَّى بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ بَائِعَ الدُّهْنِ فَبَنَى الْجَوَابَ فِي الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ شَاهَدَ الْكَرْخِيُّ عُرْفَ أَهْلِ بَغْدَادَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بَائِعَ الْوَرَقِ بَائِعَ الْبَنَفْسَجِ أَيْضًا، فَقَالَ: يَحْنَثُ بِهِ، وَهَكَذَا فِي دِيَارِنَا، وَلَا يَقُولُ: اللَّفْظُ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ وَفِي الْآخَرِ مَجَازٌ وَلَكِنْ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ أَوْ يَحْنَثُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَالْخَيْرِيُّ كَالْبَنَفْسَجِ فَأَمَّا الْحِنَّا وَالْوَرْدُ فَقَالَ: إنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُ عَلَى الْوَرَقِ وَالْوَرْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.
وَإِنْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ وَالْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَلَكِنَّهُ بَنَى الِاسْتِحْسَانَ عَلَى الْعُرْفِ وَأَنَّ الْوَرْدَ وَالْحِنَّا تُسَمَّى بِهِ الْعَيْنُ دُونَ الدُّهْنِ، وَالْبَنَفْسَجُ وَالْخَيْرِيُّ يُسَمَّى بِهِمَا مُطْلَقًا وَالْيَاسَمِينُ قِيَاسُ الْوَرْدِ يُسَمَّى بِهِ الْعَيْنُ فَإِنَّ الدُّهْنَ يُسَمَّى بِهِ زَنْبَقًا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بِزْرًا فَاشْتَرَى دُهْنَ بِزْرٍ حَنِثَ وَإِنْ اشْتَرَى الْحَبَّ لَمْ يَحْنَثْ لِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الظَّاهِرِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي دُهْنًا فَهَذَا عَلَى الدُّهْنِ الَّذِي يَدَّهِنُ بِهِ النَّاسُ عَادَةً حَتَّى لَوْ اشْتَرَى زَيْتًا أَوْ بِزْرًا لَمْ يَحْنَثْ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدَّهِنُ فَادَّهَنَ بِزَيْتٍ حَنِثَ وَلَوْ ادَّهَنَ بِسَمْنٍ أَوْ بِزْرٍ لَمْ يَحْنَثْ وَالزَّيْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلْقَى فِيهِ الْأَرَايِحُ وَيُطْبَخُ ثُمَّ يُدْهَنُ بِهِ يَكُونُ دُهْنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُدْهَنُ بِهِ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ دُهْنًا مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الِادِّهَانِ يَحْنَثُ بِهِ، وَأَمَّا السَّمْنُ وَالْبِزْرُ لَا يُدْهَنُ بِهِمَا فِي الْعَادَةِ بِحَالٍ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَزًّا فَاشْتَرَى فَرْوًا أَوْ مِسْحًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ الطَّيَالِسَةُ وَالْأَكْيِسَةُ؛ لِأَنَّ بَائِعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يُسَمَّى بَزَّازًا وَلَا يُبَاعُ فِي سُوقِ الْبَزَّازِينَ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا الْبَزَّ بِشِرَائِهَا
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي طَعَامًا فَاشْتَرَى تَمْرًا أَوْ فَاكِهَةً حَنِثَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِمَا يَطْعَمُهُ النَّاسُ، وَالْفَاكِهَةُ وَالتَّمْرُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْأَكْلِ حَنِثَ بِهِمَا؟ فَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ وَالْخُبْزِ وَالدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ إنَّمَا يَتِمُّ بِهِ وَبِالْبَائِعِ، وَمَا يُسَمَّى بَائِعُهُ بَائِعَ الطَّعَامِ أَوْ يُبَاعُ فِي سُوقِ الطَّعَامِ يَصِيرُ هُوَ بِشِرَائِهِ مُشْتَرِيًا لِلطَّعَامِ، وَبَائِعُ الْفَاكِهَةِ وَاللَّحْمِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute