للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَبِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ وَنَاشَدَهُ بِاَللَّهِ حَتَّى اعْتَرَفَ بِأَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِهِمْ الرَّجْمُ فَرَجَمَهُمَا، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَحْيَا سُنَّةً أَمَاتُوهَا، وَإِحْيَاءُ سُنَّةٍ أُمِيتَتْ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَمَلِ بِهَا فَدَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْصَانُ شَرْطًا فِي الرَّجْمِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَقَوْلُهُ وَقَدْ أُحْصِنَا شَاذٌّ وَلَوْ ثَبَتَ فَمُرَادُهُ الْإِحْصَانُ مِنْ حَيْثُ الْحُرِّيَّةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] وَأَمَّا اشْتِرَاطُ إحْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ فَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِشَرْطٍ، حَتَّى إنَّ الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَطْءٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ عَتَقَا لَا يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ عِنْدَنَا، وَكَذَلِكَ الْكَافِرَانِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُمَا مُحْصَنَانِ.

وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَدَخَلَ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا أَوْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ الْكَافِرُ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْصَنَةً بِهَذَا الدُّخُولِ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ قَدْ تَمَّ وَهُوَ انْكِسَارُ الشَّهْوَةِ بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ وَأَنْ يَكُونَ بِطَرِيقٍ هُوَ نِهَايَةٌ فِي النِّعْمَةِ وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِيَهُودِيَّةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك»، وَأَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَعْهَا فَإِنَّهَا لَا تُحْصِنُك «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُحْصِنُ الْمُسْلِمَ الْيَهُودِيَّةُ وَلَا النَّصْرَانِيَّةُ، وَلَا الْحُرَّةَ الْعَبْدُ وَلَا الْحُرَّ الْأَمَةُ» وَفِيهِ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَنْبِيءُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ فَذَلِكَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ زَوْجُ نَعْلٍ زَوْجُ خُفٍّ، وَقَدْ صَارَتْ الزَّوْجِيَّةُ هُنَا شَرْطًا فَتُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الزَّوْجِيَّةِ يَكُونُ بِهِ ثُمَّ بِسَبَبِ الرِّقِّ يُنْتَقَصُ مِلْكُ الْحِلِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ حُرِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَكُونَ الثُّيُوبَةُ بَعْدَ كَمَالِ مِلْكِ الْحِلِّ، وَإِذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ الصِّغَرِ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْفِعْلِ نُقْصَانٌ فَإِنَّ تَمَامَ مَيْلِ طَبْعِ الْمَرْءِ إلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ.

وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ نَاقِصَةُ الْحَالِ لَا يَتِمُّ سُكُونُهُ إلَيْهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرَّجْمَ أَقْصَى الْعُقُوبَاتِ، وَفِي شَرَائِطِهِ يُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ أَيْضًا احْتِيَالًا لِدَرْءِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ الزَّانِي بِأَنَّهُ مُحْصَنٌ فَإِقْرَارُهُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَفْسِرُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَفْظٌ مُبْهَمٌ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى أَشْيَاءَ يُسَمَّى بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ لَسْت بِمُحْصَنٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>