الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يَنْظُرُ إلَى مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ وَاَلَّذِي يُقَامُ هُنَا الْحَدُّ الْكَامِلُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِ، فَأَمَّا شَهَادَةُ الرِّجَالِ مَعَ النِّسَاءِ دَخَلَهَا الْخُصُوصُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَا فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ قَبُولُهَا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ سَبَبَ الْعُقُوبَةِ أَوْ شَرْطًا مُؤَثِّرًا فِي الْعُقُوبَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْإِحْصَانِ فَلِهَذَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ هُنَا.
(قَالَ) فَإِنْ قَالَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ حِينَ اسْتَفْسَرَهُمْ الْقَاضِي: إنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا فَذَلِكَ كَافٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجِمَاعِ يَتَنَاوَلُ الْجِمَاعَ فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً، وَلِهَذَا مَا تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ مِنْ الْأَحْكَامِ شَرْعًا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، وَالْمُبَاضَعَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ إدْخَالِ الْبُضْعِ فِي الْبُضْعِ فَأَمَّا إذَا قَالُوا دَخَلَ بِهَا فَذَلِكَ يَكْفِي لِثُبُوتِ الْإِحْصَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَكْفِي فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الدُّخُولُ مُشْتَرَكٌ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُلَاقَاةُ.
وَكُلُّ لَفْظٍ مُشْتَرَكٍ أَوْ مُبْهَمٍ يَذْكُرُ الشُّهُودُ فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْسِرَهُمْ لِيَكُونَ إقْدَامُهُ عَلَى الْأَمْرِ عَنْ بَصِيرَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا: أَتَاهَا أَوْ قَرِبَهَا لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: إنَّهُمْ ذَكَرُوا الدُّخُولَ مُضَافًا إلَيْهَا وَالدُّخُولَ مُضَافًا إلَى النِّسَاءِ بِحَرْفِ الْبَاءِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] وَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْجِمَاعُ، وَالِاسْمُ مُشْتَرَكٌ بِدُونِ الصِّلَةِ، وَأَمَّا مَعَ هَذِهِ الصِّلَةِ وَالْإِضَافَةِ فَلَا وَهُوَ كَاسْمِ الْوَطْءِ فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ بِالْقَدَمِ، ثُمَّ إذَا قَالُوا: وَطِئَهَا كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا لِثُبُوتِ الْإِحْصَانِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: قَدْ يُقَالُ: دَخَلَ بِهَا وَالْمُرَادُ مَرَّ بِهَا أَيْ خَلَى بِهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَوْعُ مَجَازٍ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ.
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى التَّزْوِيجِ فَقَطْ غَيْرَ أَنَّ لَهُ مِنْهَا وَلَدًا فَهُوَ إحْصَانٌ، وَلَا يَكُونُ الْإِحْصَانُ بِشَيْءٍ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ فَقَدْ حَكَمْنَا بِالدُّخُولِ بِهَا وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى أَنَّهُ جَامَعَهَا، وَلِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ بِالدُّخُولِ بِهَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ فَوْقَ مَا يَقَعُ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ.
(قَالَ) وَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا بِالْخَلْوَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ انْكِسَارُ الشَّهْوَةِ بِإِصَابَةِ الْحَلَالِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا تُجْعَلُ الْخَلْوَةُ تَسْلِيمًا لِلْمُسْتَحِقِّ بِالْعَقْدِ فِي حُكْمِ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَطْءِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْخَلْوَةِ؟ فَكَذَلِكَ الْإِحْصَانُ
(قَالَ) وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، وَلَا بَيْنَ الْجَلْدِ وَالنَّفْيِ أَمَّا فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute