لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ اضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ الرَّأْسَ وَالْفَرْجَ وَلِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ الْحَوَاسِّ فَفِي الضَّرْبِ عَلَيْهِ تَفْوِيتُ بَعْضِ الْحَوَاسِّ.
(قَالَ) وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهَا الْحَشْوُ وَالْفَرْوُ لِيَخْلُصَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهَا وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ يَحْصُلُ بِالْمَلْبُوسِ عَادَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْقَاءِ الْحَشْوِ وَالْفَرْوِ عَلَيْهَا.
(قَالَ) وَتُضْرَبُ وَهِيَ قَاعِدَةٌ كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ، وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْرِبُ الْمَرْأَةَ الْحَدَّ وَهِيَ قَائِمَةٌ كَالرَّجُلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ يُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ قَاعِدَةً وَلِأَنَّ مَبْنَى حَالِ الرَّجُلِ عَلَى الِانْكِشَافِ وَالظُّهُورِ وَمَبْنَى حَالِهَا عَلَى السَّتْرِ.
(قَالَ) فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ فَإِنْ حَفَرَ لَهَا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَرَكَ لَمْ يَضُرَّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى حُبِسَتْ حَتَّى تَلِدَ «لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمَّا أَقَرَّتْ أَنَّ بِهَا حَبَلًا مِنْ الزِّنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي حَمْلَك»، وَلِحَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِين هَمَّ بِرَجْمِ الْمُغَنِّيَةِ " إنْ يَكُنْ لَك عَلَيْهَا سَبِيلٌ فَلَا سَبِيلَ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا " وَهُوَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا نَفْسٌ مُحْتَرَمَةٌ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ مِنْ مَاءِ الزِّنَا لَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْعَهْدِ مَا لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ جِنَايَةٌ وَلَوْ رُجِمَتْ كَانَ فِيهِ إتْلَافُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تُرِكَتْ هَرَبَتْ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُضَيِّعَ الْحَدَّ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ فَيَحْبِسُهَا حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ إنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ رَجَمَهَا؛ لِأَنَّ إتْلَافَهَا مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا تُؤَخَّرُ لِحَقِّ الْوَلَدِ وَقَدْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ تُؤَخَّرُ إلَى أَنْ تَتَعَافَى مِنْ نِفَاسِهَا؛ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ وَالْحُدُودُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا تُقَامُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، وَلِأَنَّهُ إذَا انْضَمَّ أَلَمُ الْجَلْدِ إلَى أَلَمِ الْوِلَادَةِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتُؤَخَّرُ إلَى أَنْ تَتَعَافَى مِنْ نِفَاسِهَا.
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالزِّنَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ فَمُجَرَّدُ قَوْلِهَا لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يُؤَخِّرُ الْحَدَّ عَنْهَا كَمَا لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْمُسْقِطِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ النِّسَاءُ، وَمَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَاضِي فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى مَنْ لَهُ بَصَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] فَإِنْ قُلْنَ هِيَ حُبْلَى حَبَسَهَا إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَلِدْ رَجَمَهَا لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِنَّ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ أَوْ رَتْقَاءُ فَنَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَقُلْنَ هِيَ كَذَلِكَ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute