تَصِرْ مَجْرُوحَةً بِخِلَافِ الْعَبْدِ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ ثُمَّ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعِتْقِ لَمْ يَسْتَفِدْ عَدَالَةً لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَقْتَ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ فِي دِينِهِ وَتَمَامُ بَيَانِ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الشَّهَادَاتِ
(قَالَ) أَرْبَعَةٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا ثُمَّ أَقَرُّوا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالْبَاطِلِ فَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَكْذَبُوا أَنْفُسَهُمْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَحُدَّهُمْ الْقَاضِي حَتَّى شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أُخَرُ غَيْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ بِالزِّنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لِظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ وَأُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَرُجُوعَهُمْ فِي حَقِّ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَالْمَعْدُومِ، وَيُدْرَأُ عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ زَانٍ وَأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي قَذْفِهِ بِالزِّنَا، وَلِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ لَمْ يُعَايِنُوا الزِّنَا مِنْهُ فَحَالُهُمْ كَحَالِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ فِي قَذْفِهِ وَالْقَاذِفُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْحَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَرْبَعَةٌ يَشْهَدُونَ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا
(قَالَ) وَإِذَا ثَبَتَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ عَلَى الْكَافِرِ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ حُجَّةً عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا اعْتَرَضَ إسْلَامُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ قَدْ تَقَادَمَ فَحِينَئِذٍ يُدْرَأُ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مُسْلِمًا حِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ
(قَالَ) رَجُلٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُسْتَكْرَهَةٍ فَأَفْضَاهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِلزِّنَا فَإِنْ كَانَتْ تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَمْسِكُ الْبَوْلَ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَيْهَا عُضْوًا لَا ثَانِيَ لَهُ فِي الْبَدَنِ، وَهُوَ مَا يُسْتَمْسَكُ بِهِ الْبَوْلُ وَفِي ذَلِكَ كَمَالُ الدِّيَةِ وَمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ لَيْسَ بَدَلَ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ حَتَّى يُقَالَ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِّ بَلْ هُوَ بَدَلُ الْمُتْلَفِ بِالْجِنَايَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ وَالْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا بِالنِّكَاحِ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الرِّضَى مِنْهَا فَإِنَّ إذْنَهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُعْتَبَرٌ فِي إسْقَاطِ الْأَرْشِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا إلَّا أَنَّ رِضَاهَا هُنَاكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ إسْقَاطِ حَقِّهَا
(قَالَ) وَإِنْ زَنَى بِصَبِيَّةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَأَفْضَاهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ حَدِّ الزِّنَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْفِعْلِ، وَكَمَالُ الْفِعْلِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ كَمَالِ الْمَحَلِّ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِهَذَا الْفِعْلِ حِينَ أَفْضَاهَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِهَا وَلَمْ يُفْضِهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْفِعْلِ حِين احْتَمَلَتْ الْجِمَاعَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ مَشْرُوعٌ لِلزَّجْرِ، وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الزَّجْرُ فِيمَا يَمِيلُ الطَّبْعُ إلَيْهِ، وَطَبْعُ الْعُقَلَاءِ لَا يَمِيلُ إلَى وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى وَلَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ فَلِهَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا لَا يَحِلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute