للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَرَ فِي السَّبْعَةِ الَّذِينَ وُجِدُوا عَلَى اللِّوَاطَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: يُجْلَدَانِ إنْ كَانَا غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ وَيُرْجَمَانِ إنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: يُعَلَّى أَعْلَى الْأَمَاكِنِ مِنْ الْقَرْيَةِ ثُمَّ يُلْقَى مَنْكُوسًا فَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} [الحجر: ٧٤] الْآيَةَ، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتْنًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ لَهُمَا أَنْفُسُهُمَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَغْلِيظِ عُقُوبَتِهِمَا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَرَجَّحْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَدِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الصَّحَابَةُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا نَصَّ الزِّنَا وَمَعَ هَذَا اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ هَذَا الْفِعْلِ، وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ الِاجْتِهَادُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ فَكَانَ هَذَا اتِّفَاقًا مِنْهُمْ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ غَيْرُ الزِّنَا وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ حَدِّ الزِّنَا بِغَيْرِ الزِّنَا بَقِيَتْ هَذِهِ جَرِيمَةٌ لَا عُقُوبَةَ لَهَا فِي الشَّرْعِ مُقَدَّرَةٌ فَيَجِبُ التَّعْزِيرُ فِيهِ يَقِينًا، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ السِّيَاسَةِ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي حَقٍّ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ شَرْعًا

(قَالَ) وَالنَّاسُ أَحْرَارٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ: فِي الشَّهَادَةِ، وَالْعَقْلِ، وَالْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ.

يَعْنِي بِالشَّهَادَةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا طَعَنَ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَمَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى حُرِّيَّتِهِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَتِهِ، وَبِالْعَقْلِ أَنَّ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ خَطَأٌ إذَا زَعَمُوا أَنَّهُ عَبْدٌ فَمَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ لَا يَعْقِلُونَ جِنَايَتَهُ وَبِالْحُدُودِ إذَا ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهُ عَبْدٌ، فَمَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الْأَحْرَارِ، وَبِالْقِصَاصِ إذَا قَطَعَ يَدَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَبْدٌ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، فَمَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ لِمَجْهُولِ الْحَالِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّارَ الْإِسْلَامُ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ كُلِّ مَنْ هُوَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ أَوْ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّاسَ أَوْلَادُ آدَمَ وَحَوَّاءَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَهُمَا كَانَا حُرَّيْنِ، وَهَذَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَشَهَادَةُ الشَّاهِدِ تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ.

وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةُ تُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فَالظَّاهِرُ لِهَذَا لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْيَدِ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ لَدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِإِثْبَاتِهِ حَتَّى إنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ فِي الْجَارِيَةِ لَا يَسْتَحِقُّ أَوْلَادَهَا عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهَا بِالْبَيِّنَةِ فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِفُلَانٍ أَعْتَقَهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ حَضَرَ الْمَوْلَى الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ بَيِّنَةٌ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ وَهُوَ الْمُنْكِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>