إلَى أَلَمِ الْمَرَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يُقَامُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَاَلَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى مَرِيضٍ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ بُرْئِهِ وَاسْتَحْكَمَ ذَلِكَ الْمَرَضُ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ، وَعِنْدَنَا فِي مِثْلِ هَذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ تَطْهِيرًا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَدُّ رَجْمًا فَأَمَّا الرَّجْمُ يُقَامُ عَلَى الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ نَفْسِهِ هُنَاكَ مُسْتَحَقٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ إقَامَتُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ
(قَالَ) رَجُلٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفُ وَفَقْءُ عَيْنِ رَجُلٍ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِالْقِصَاصِ فِي الْفَقْءِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الْعِبَادِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ فَيُقَدَّمُ فِي الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا هُوَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ دَفْعُ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ، فَلِهَذَا يُبْدَأُ بِهِ قَبْلَ حَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَإِذَا بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَصٍّ يُتْلَى وَيُجْعَلُ حَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ آخِرَهَا؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ.
وَكُلَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ حَدًّا حَبَسَهُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَالَى إقَامَةَ هَذِهِ الْحُدُودِ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خُلِّيَ سَبِيلُهُ رُبَّمَا يَهْرُبُ فَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُضَيِّعًا لِلْحَدِّ وَالْإِمَامُ مَنْهِيٌّ عَنْ تَضْيِيعِ الْحَدِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا اقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَضَرَبَهُ حَدَّ الْقَذْفِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ حَقِّ الْعِبَادِ ثُمَّ رَجَمَهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمَتَى اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا نَفْسٌ قُتِلَ وَتُرِكَ مَا سِوَى ذَلِكَ هَكَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى الْمَقْصُودَ هُوَ الزَّجْرُ، وَأَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الزَّجْرِ بِاسْتِيفَاءِ النَّفْسِ، وَالِاسْتِيفَاءُ بِمَا دُونَهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ، فَلِهَذَا رَجَمَهُ وَدَرَأَ عَنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ لِضَرُورَةِ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلِهَذَا يُضَمِّنُهُ السَّرِقَةَ وَيَأْمُرُ بِإِيفَائِهَا مِنْ تَرِكَتِهِ
(قَالَ)، وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا قَوَدٌ، وَلَا تَعْزِيرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ وَهْمِ تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّ الْمَجْلُودَ قَدْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute