الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ الدِّيَةِ وَيُحَدُّونَ عِنْدَهُمَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَرْبَعَةٍ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ زِنًى آخَرَ فَالزِّنَا بِزَيْنَبِ غَيْرُ الزِّنَا بِعَمْرَةِ فَفِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ يُجْعَلُ كَأَنَّ الْفَرِيقَ الْأَوَّلَ ثَابِتُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي حُكْمِ سُقُوطِ الْإِحْصَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا لَوْ رَجَعُوا وَقَذَفَ الْمَرْجُومَ إنْسَانٌ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ؟ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُمْ أَنَّهُ كَانَ زَانِيًا بَعْدَ رُجُوعِهِ لَا يُحَدُّونَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُعْتَبَرُ فِي سُقُوطِ ضَمَانِ بَدَلِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْدَارِ الدَّمِ وَيُعْتَبَرُ فِي امْتِنَاعِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَنْدَرِئُ الشُّبُهَاتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: هُمْ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ كَالشَّاهِدِينَ عَلَيْهِ بِزِنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ إقَامَةُ الْحَدِّ، وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَ فِعْلُ الزِّنَا مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ جُعِلُوا كَالشَّاهِدِينَ بِزِنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ اثْنَانِ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ لَا يَضْمَنُونَ شَيْئًا أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلُوا كَذَلِكَ لَضَمِنُوا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَشَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْحُجَّةُ لَا تَتِمُّ بِهَذَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُمْ جُعِلُوا كَالشَّاهِدِينَ عَلَيْهِ بِزِنًى وَاحِدٍ.
(قَالَ)، وَلَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ حُدُّوا جَمِيعًا فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا جَمِيعًا، فَقَدْ حَكَمْنَا فِي حَقِّهِمْ بِأَنَّهُ مُحْصَنٌ مَقْتُولٌ ظُلْمًا حَتَّى غَرَّمْنَاهُمْ الدِّيَةَ فَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّهُ عَفِيفٌ، وَأَنَّهُمْ قَذَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ خَمْسَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ حُجَّةٍ تَامَّةٍ، فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ غَرِمَا رُبْعَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ النَّفْسِ وَيُحَدَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ تَتِمُّ بِهِ الْحُجَّةُ، وَقَدْ انْفَسَخَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّهِمَا بِالرُّجُوعِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ.
(فَإِنْ قِيلَ) الْأَوَّلُ مِنْهُمَا حِينَ رَجَعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ لَزِمَهُ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِرُجُوعِ الثَّانِي وَرُجُوعِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ الْحَدَّ.
(قُلْنَا) لَمْ يَجِبْ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ بَلْ لِمَانِعٍ، وَهُوَ بَقَاءُ حُجَّةٍ تَامَّةٍ، فَإِذَا زَالَ بِرُجُوعِ الثَّانِي وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالسَّبَبِ الْمُتَقَرِّرِ فِي حَقِّهِ لَا بِزَوَالِ الْمَانِعِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى لَوَجَبَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا مَعًا لَمْ يُحَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِرُجُوعِهِ وَحْدَهُ لَوْ ثَبَتَ أَصْحَابُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهَذَا بَعِيدٌ
(قَالَ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا فَعَلَ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ شَيْئًا مِمَّا هُوَ إلَى السُّلْطَانِ فَلَيْسَ فِيهِ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا الْقِصَاصُ وَالْأَمْوَالُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ إلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ الْإِمَامُ فَلَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute