الْحَدُّ بِخُصُومَتِهِ بِخِلَافِ الْمَقْذُوفِ، فَإِنَّ حَقَّ الْخُصُومَةِ لَهُ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْقَاذِفِ مِنْ عِرْضِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ وَلَدِهِ
(قَالَ) وَلِوَلَدِ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَدِّ، كَمَا يَأْخُذَ بِهِ الْوَلَدُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْمَمْلُوكَ لَوْ قُذِفَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ، فَإِذَا قُذِفَ فِي أَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْلَى، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْحَدُّ وَجَبَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَخُصُومَةُ الْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ الَّذِي لَحِقَهُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْوَلَدِ الْكَافِرِ وَالْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِالرِّقِّ وَالْكُفْرِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ الْخِلَافَةُ إرْثًا بِالْكُفْرِ وَالرِّقِّ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُذِفَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ قَذْفُ الْمُحْصَنِ وَالْعَبْدِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، أَمَّا هُنَا تَمَّ سَبَبُ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَهُوَ قَذْفُ الْمُحْصَنِ إذْ الْمَيِّتُ مُحْصَنٌ فَكُلُّ مَنْ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِهَذَا الْقَذْفِ فَهُوَ خَصْمٌ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِهِ
(قَالَ) وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ حَيًّا غَائِبًا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِّهِ عِنْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْغَائِبُ كَالْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ خُصُومَتَهُ تَتَعَذَّرُ لِغَيْبَتِهِ، كَمَا هُوَ مُتَعَذَّرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: يَنُوبُ أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلًا لِيُخَاصِمَ وَالْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْعِرْضِ أَصْلٌ فَمَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْخُصُومَةِ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ، وَفِي الْمَيِّتِ الْخُصُومَةُ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْعِرْضِ مَأْيُوسٍ عَنْهُ فَيُقَامُ الْحَدُّ بِخُصُومَةِ مَنْ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَإِنْ مَاتَ هَذَا الْغَائِبُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ لَمْ يَأْخُذْ وَلِيُّهُ أَيْضًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عِنْدَهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَصِيرُ مَوْرُوثًا عَنْ الْمَقْذُوفِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَعِنْدَنَا الْمُغَلَّبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُورَثُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْرِي الْإِرْثُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى»، وَلِأَنَّ الْإِرْثَ خِلَافَةُ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي حَقِّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
(فَإِنْ قِيلَ) فَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ أَيْضًا بِمَوْتِ الْمَقْذُوفِ.
(قُلْنَا) لَا نَقُولُ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَعَذَّرُ اسْتِيفَاؤُهُ لِانْعِدَامِ شَرْطِهِ فَالشَّرْطُ خُصُومَةُ الْمَقْذُوفِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْخُصُومَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
(فَإِنْ قِيلَ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي خُصُومَتِهِ أَوْ وَصِيُّهُ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ إلَى إنْسَانٍ.
(قُلْنَا) شَرْطُ الْحَدِّ مُعْتَبَرٌ بِسَبَبِهِ فَكَمَا أَنَّ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِهِ سَبَبُ الْحَدِّ، فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَرْطُ الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَذَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّا لَا نَقُولُ خُصُومَةُ وَلَدِهِ تَقُومُ مَقَامَ خُصُومَتِهِ، وَكَيْف يُقَالُ ذَلِكَ وَلَا يُورَثُ ذَلِكَ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَكِنَّ الْوَلَدَ خَصْمٌ عَنْ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَا لَحِقَهُ مِنْ الشَّيْنِ، فَأَمَّا فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْوَلَدِ حَقُّ الْخُصُومَةِ، فَلَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْمَوْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute