للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الصَّلَاةِ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالْآثَارِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ إلَّا مَا يَكُونُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ هُنَاكَ كَانَ لِلْوُضُوءِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَالِانْصِرَافَ هَاهُنَا لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْب، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ فَيُلْقِي مَا تَنَجَّسَ مِنْ سَاعَتِهِ، فَلِهَذَا أَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَقُلْنَا: لَا يَبْنِي.

قَالَ: (وَإِنْ سَالَ مِنْ دُمَّلٍ بِهِ دَمٌ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ كَمَا لَوْ رَعَفَ) وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا إذَا سَالَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، فَأَمَّا إذَا عَصَرَهُ حَتَّى سَالَ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ رُكْبَتَيْهِ فَانْفَتَحَ مِنْ اعْتِمَادِهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي سُجُودِهِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْحَدَثِ الْعَمْدِ، قَالَ عَلِيٌّ لَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ بُنْدُقَةٌ فَشَجَّتْهُ فَسَالَ مِنْهُ دَمٌ لَمْ يَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْنِي إذَا تَوَضَّأَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا طُعِنَ فِي الْمِحْرَابِ اسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ فَلَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَلِأَنَّ الْحَدَثَ سَبَقَهُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَهُوَ كَالْحَدَثِ السَّمَاوِيِّ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْحَدَثَ كَانَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ فَيَمْنَعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِصُنْعِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ السَّمَاوِيَّ الْعُذْرُ الْمَانِعُ مِنْ الْمُضِيِّ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ، وَهُنَا الْعُذْرُ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ يُصَلِّي قَاعِدًا ثُمَّ لَا يُعِيدُ إذَا بَرَأَ، وَالْمُقَيَّدُ يُصَلِّي قَاعِدًا ثُمَّ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لِيَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا طُعِنَ قَالَ آهٍ قَتَلَنِي الْكَلْبُ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ قَالَ: تَقَدَّمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهَذَا كَلَامٌ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى الصَّلَاةِ

قَالَ: (وَإِنْ نَامَ فِي صَلَاتِهِ فَاحْتَلَمَ فِي الْقِيَاسِ يَغْتَسِلُ وَيَبْنِي) يُرِيدُ الْقِيَاسَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي الْحَدَثِ الصُّغْرَى وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الِاغْتِسَالِ إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّي قَدْ يُبْتَلَى بِالْحَدَثِ الصُّغْرَى عَادَةً فَمِنْ النَّادِرِ أَنْ يُبْتَلَى بِالْحَدَثِ الْمُوجِبِ لِلِاغْتِسَالِ، وَالنَّادِرُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.

قَالَ: (وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْمُصَلِّي ثَوْبَهُ فَقَامَ عُرْيَانًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ تَذَكَّرَ مِنْ سَاعَتِهِ فَتَنَاوَلَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ، فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ)، وَفِي الْقِيَاسِ يَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ لِوُجُودِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا ابْتَدَأَهَا وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: الِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ بِمَنْزِلَةِ الِانْكِشَافِ الْيَسِيرِ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا وَلَمْ يَمْكُثْ عُرْيَانًا بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>