شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ فِي الْكَلَأِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ»، وَقَدْ أُثْبِتَ بَيْنَ النَّاسِ شَرِكَةٌ عَامَّةٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ بِهَا، وَإِنْ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ بِإِحْرَازِهَا، وَإِذَا عُلِمَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهِيَ تُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهَا غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهَا، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَافِهٌ جِنْسًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ وَلَا يَرْغَبُ فِيهِ؟ فَيَكُونُ نَظِيرَ التَّافِهِ قَدْرًا يُقَرِّرُهُ أَنَّ التَّافِهَ لَا يَتِمُّ إحْرَازُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَشَبَ تَكُونُ مَطْرُوحَةً فِي السِّكَكِ عَادَةً؟ وَكَذَلِكَ الْجِصُّ وَالزِّرْنِيخُ وَالنُّورَةُ، وَالنَّاسُ لَا يُحْرِزُونَهَا كَمَا يُحْرِزُونَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ لِتَفَاهَتِهَا، وَالنُّقْصَانُ فِي الْحِرْزِيَّةِ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقَطْعِ.
فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ، فَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ إذَا سَرَقَهَا عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تُوجِدُ مُبَاحًا لَا يُقْطَعُ، وَهُوَ الْمُخْتَلَطُ بِالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ، وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَافِهٍ جِنْسًا، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ لَا يَتْرُكُهُ عَادَةً، وَكَذَلِكَ إحْرَازُهُ يَتِمُّ عَادَةً، فَأَمَّا الْمَصْنُوعُ مِنْ الْخَشَبِ فَهُوَ لَا يُوجَدُ بِصُورَتِهِ مُبَاحًا فَلَمْ يَكُنْ تَافِهًا جِنْسًا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِعَيْنِ الشَّيْءِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْنُوعِ مِنْهُ، كَمَا قَالَ هُوَ فِي التُّرَابِ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِسَرِقَةِ الْمَصْنُوعِ مِنْهُ مِنْ الطَّوَابِقِ وَالْكِيزَانِ وَنَحْوِهِمَا
(قَالَ) وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ النَّبِيذِ وَاللَّبَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَكَذَلِكَ فِي سَرِقَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالسَّكَرِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرَامٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ تَأَوَّلَ أَخْذَهُ لِلْإِرَاقَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَانْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِيهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ يَصِيرُ شُبْهَةً وَالْقَطْعُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ
(قَالَ) وَلَا قَطْعَ فِي الدُّفِّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَلَاهِي، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا يَضْمَنَ مُتْلِفُهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتْلِفِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى آخَرَ فِيهِ سِوَى اللَّهْوِ وَالْمَقْصُودُ التَّلَهِّي بِهِ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، وَلِأَنَّ لِلْآخِذِ تَأْوِيلًا فِي أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُهُ لِلتَّلَهِّي فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً
(قَالَ) وَلَا قَطْعَ فِي الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ، وَلَا فِي الْوُحُوشِ مِنْ الصَّيُودِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَا قَطْعَ فِي الطَّيْرِ، وَلِأَنَّ هَذَا يُوجَدُ مُبَاحَ الْأَصْلِ بِصُورَتِهِ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِيهِ، وَلَا يَتِمُّ إحْرَازُهُ فِي النَّاسِ عَادَةً، وَلِأَنَّ فِعْلَهُ اصْطِيَادٌ مِنْ وَجْهٍ وَالِاصْطِيَادُ مُبَاحٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ» يُورِثُ شُبْهَةً وَالْقَطْعُ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَلِكَ الْفَهْدُ وَالْكَلْبُ، فَإِنَّ الْفَهْدَ مِنْ جِنْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute