مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُسْرَى فَلِانْعِدَامِ الشَّرْطِ لَا تُقْطَعُ الْيُمْنَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى مَعَ وُجُودِ الْمَحَلِّ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ فَرُبَّمَا يَنْضَمُّ أَلَمُ الْقَطْعِ إلَى أَلَمِ الْمَرَضِ فَيُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ فَهَذَا مِثْلُهُ
(قَالَ) وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَتَيَا بِإِنْسَانٍ آخَرَ وَقَالَا هَذَا السَّارِقُ الَّذِي شَهِدْنَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّا أَخْطَأْنَا بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى هَذَا وَضَمِنَا دِيَةَ يَدِ الْأَوَّلِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ أَتَيَا بِآخَرَ فَقَالَا: وُهِمْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا فَقَالَ: لَا أُصَدِّقُكُمَا عَلَى الثَّانِي وَأُغَرِّمُكُمَا دِيَةَ الْيَدِ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا، وَبِهِ يَسْتَدِلُّ الشَّافِعِيُّ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ وَقَطْعِ الْيَدَيْنِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذِبًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالْغَفْلَةِ وَتَنَاقَضَ كَلَامُهُمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الثَّانِي، فَقَدْ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَا ضَامِنَيْنِ لِمَا اسْتَوْفَى بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا، وَلَكِنَّهُمَا وَجَدَا عَبْدَيْنِ كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْ الْإِمَامِ لِمَا اسْتَوْفَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِالسَّرِقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ أَوْ قَالَا شَكَكْنَا فِي شَهَادَتِنَا دُرِئَ الْحَدُّ، وَلَكِنَّ السَّرِقَةَ تُسَلَّمُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ مُبْطِلٌ لِلْقَضَاءِ فِيمَا كَانَ عُقُوبَةً لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ أَوْ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ، فَأَمَّا فِيمَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ فَالشَّهَادَةُ تَتَأَكَّدُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ وَالرُّجُوعُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَالُ حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِرُجُوعِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلَكِنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَيْهِمَا بِالرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ مُعْتَبَرٌ بِالشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ، فَإِنَّمَا شَهِدَ هَذَيْنِ عَلَى رُجُوعٍ بَاطِلٍ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةِ مَالٍ لَمْ يُقْطَعْ وَأَخَذَ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِنَّ الضَّلَالُ وَالنِّسْيَانُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ {أَنْ تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا مَا كَانَ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهُوَ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute