ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِعْلُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ يُوضِحُهُ أَنَّهُ، وَإِنْ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيُسْرَى، فَقَدْ عَوَّضَ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى بَعْدَ هَذَا وَمَا عَوَّضَهُ مِنْ جِنْسِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا فَوَّتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى أَظْهَرُ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقَالَ: اقْطَعْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْيَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهُ مُسْتَحَقًّا بِالسَّرِقَةِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا شَيْئًا؟ فَهَذَا أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَخَذَا بِالْقِيَاسِ هَاهُنَا وَقَالَا: يَضْمَنُ الْحَدَّادُ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِيمَا صَنَعَ مُتَعَدٍّ فَيَكُونُ ضَامِنًا، كَمَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ أَنْفَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْحَدَّادَ مُجْتَهِدٌ وَفِعْلُهُ حَصَلَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ رِجْلَهُ أَوْ أَنْفَهُ، وَلِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ جِنْسِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَعَدِّي كَالشُّهُودِ إذَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِبَيْعِ مَالٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، فَأَمَّا إذَا قَطَعَ أَنْفَهُ فَلَمْ يُعَوِّضْهُ مِمَّا أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الْيَدِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَلَمْ يُعَوِّضْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِهَذَا، وَإِنْ قَطَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فَلَمْ يُعَوِّضْهُ مِنْ جِنْسِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ
(قَالَ) وَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ بِشُهُودٍ فِي السَّرِقَةِ ثُمَّ انْفَلَتَ، وَلَمْ يَكُنْ حُكِمَ عَلَيْهِ حَتَّى انْفَلَتَ فَأُخِذَ بَعْدَ زَمَانٍ لَمْ يُقْطَعْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لَا تُقَامُ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَالْعَارِضُ فِي الْحُدُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ اتَّبَعَهُ الشَّرْطُ وَأَخَذُوهُ مِنْ سَاعَتِهِ قُطِعَتْ يَدُهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْهَرَبِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ لِلْحَدِّ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ هَاهُنَا تُهْمَةُ التَّهَاوُنِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الطَّلَبِ مِنْ أَحَدٍ
(قَالَ) وَإِذَا رُدَّتْ السَّرِقَةُ إلَى صَاحِبِهَا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ السَّارِقُ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ قَدْ تَحَقَّقَتْ بِرَدِّ الْمَالِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى عَلَى سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ قُدْرَةِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ فَفِي الصُّغْرَى أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ، وَلَا تَظْهَرُ إذَا رَدَّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَا تَظْهَرُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْخُصُومَةِ فِي الْمَالِ، وَلَا خُصُومَةَ بَعْدَ اسْتِرْدَادِ الْمَالِ، وَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطٌ وَانْعِدَامُ الشَّرْطِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَمْنَعُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ
وَإِذَا كَانَتْ أُصْبُعَانِ مِنْ الْيُسْرَى مَقْطُوعَةً لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْأُصْبُعَيْنِ يُنْقِصُ مِنْ الْبَطْشِ بِالْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ يُفَوِّتُ بِمَنْزِلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute