بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَإِذَا اُسْتُوْفِيَ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ فَيَضْمَنُ الْمَسْرُوقُ فَإِنْ قُضِيَ بِالْقِصَاصِ فَعَفَا عَنْهُ صَاحِبُهُ أَوْ صَالَحَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ كَانَ مُسْتَحَقًّا، وَقَدْ سَقَطَ مَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يُصَالِحْهُ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ وَهُمَا يَتَرَاضَيَانِ فِيهِ عَلَى الصُّلْحِ ثُمَّ صَالَحَهُ دَرَأْت الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي الرِّجْلِ الْيُسْرَى بُدِئَ بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ وَالَى فِي الِاسْتِيفَاءِ بِالضَّرْبِ رُبَّمَا يَمُوتُ لِتَضَاعُفِ الْآلَامِ عَلَيْهِ فَلْيَتَحَرَّزْ عَنْ ذَلِكَ بِجَهْدِهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
(قَالَ) وَإِذَا حُكِمَ عَلَى السَّارِقِ بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ: هَذَا مَتَاعُهُ، أَوْ قَالَ: لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي إنَّمَا كُنْت أُودِعْته، أَوْ قَالَ: شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ، أَوْ قَالَ: أَقَرَّ هُوَ بِالْبَاطِلِ بَطَلَ الْقَطْعُ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ خُصُومَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بَقَاءَ الْخُصُومَةِ إلَى وَقْتِ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ شَرْطٌ وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْحَدِّ كَالْمُقْتَرِنِ بِأَصْلِ السَّبَبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ رَدِّ الْمَالِ بَعْدَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْمَالِ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ فَالْمَقْصُودُ بِالْخُصُومَةِ اسْتِرْدَادُ الْمَالِ، وَالْمُنْتَهِي يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ فَكَانَتْ خُصُومَتُهُ قَائِمَةً بِاعْتِبَارِ قِيَامِ يَدِهِ فِي الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت لَمْ يَبْطُلْ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالْقَطْعُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا حَقٌّ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَجَافُوا الْعُقُوبَةَ بَيْنَكُمْ، فَإِذَا اُنْتُهِيَ بِهَا إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا عَنْهُ»
فَأَمَّا إذَا وَهَبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَالَ مِنْ السَّارِقِ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقَطْعِ سَقَطَ الْقَطْعُ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ خُصُومَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَجَّتُهُمَا حَدِيثُ صَفْوَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَإِنَّهُ كَانَ نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَسِّدًا بِرِدَائِهِ فَجَاءَ سَارِقٌ وَسَرَقَ رِدَاءَهُ فَاتَّبَعَهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ فَقَالَ: أَتَقْطَعُهُ بِسَبَبِ رِدَائِي؟ وَهَبْتُهَا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ، وَلِأَنَّ هَذَا حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، فَإِذَا وَجَبَ بِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ لَا يَمْتَنِعُ اسْتِيفَاؤُهُ لِمِلْكٍ عَارِضٍ فِي الْمَحَلِّ كَحَدِّ الزِّنَا، فَإِنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute