مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثَوْبًا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَقْطَعَهُ، وَلَكِنْ يُقْضَى لَهُ بِنِصْفِ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ مِنْ الْغَائِبِ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِذَا حَضَرَ رُبَّمَا يُكَذِّبُهُ فَيَبْقَى نِصْفُ الثَّوْبِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ قَطَعْنَاهُ لَقَطَعْنَا فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ إحْدَاهُمَا وَصَدَّقَتْهُ الْأُخْرَى يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ فِعْلِهِ بِالْأُخْرَى، وَهُنَا إنَّمَا أَقَرَّ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فِي ثَوْبٍ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ السَّرِقَةُ فِي نَصِيبِ الْغَائِبِ قَبْلَ تَصْدِيقِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالسَّرِقَةِ فِي نَصِيبِ الْحَاضِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّرِقَةِ فِي نِصْفِ الثَّوْبِ شَائِعًا لَا يَتَحَقَّقُ مُنْفَرِدًا عَنْ النِّصْفِ الْآخَرِ، فَلِهَذَا لَمْ يُقْطَعْ.
فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ ظَهَرَ حُكْمُ الْمَالِ فَيُقْضَى لِلْحَاضِرِ بِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الثَّوْبِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَنِصْفُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَقَالَ: أَحَدُهُمَا كَذَبْتَ لَمْ تَسْرِقْهُ، وَلَكِنَّك غَصَبْته أَوْ اسْتَوْدَعْنَاكَهُ أَوْ أَعَرْنَاكَهُ أَوْ قَالَ: هُوَ ثَوْبُك لَا حَقَّ لَنَا فِيهِ لَمْ يُقْطَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إمَّا لِلشَّرِكَةِ لَهُ فِي الثَّوْبِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا لَهُ بِالْمِلْكِ أَوْ لِانْتِفَاءِ فِعْلِ السَّرِقَةِ عَنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِتَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِعْلُ السَّرِقَةِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ مِنْ الثَّوْبِ مُنْفَرِدًا، وَلَكِنْ يُقْضَى بِنِصْفِ الْآخَرِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِي حَقِّ الثَّانِي يَنْبَنِي الْقَضَاءُ عَلَى مَا أَقَرَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَقُضِيَ لِلْحَاضِرِ بِنِصْفِ الثَّوْبِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ ثُمَّ جَاءَ الْغَائِبُ وَادَّعَى السَّرِقَةَ يُقْضَى لَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ صَاحِبِهِ، وَلَكِنْ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَ قَضَى بِنِصْفِ الثَّوْبِ لِلْأَوَّلِ أَوْ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، فَقَدْ دَرَأَ الْقَطْعَ عَنْهُ فِي نَصِيبِهِ إذْ الْقَاضِي لَا يَشْتَغِلُ بِالضَّمَانِ إلَّا بَعْدَ دَرْءِ الْحَدِّ، وَلِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَ ذَلِكَ النِّصْفَ، وَاعْتِرَاضُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ كَاعْتِرَاضِهِ فِي الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ حَاضِرًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَقَالَ: الثَّوْبُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ لَنَا عِنْدَك لَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شُهُودَهُ، فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ وَإِكْذَابُ الْمُدَّعِي شَاهِدَهُ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ بِإِكْذَابِهِ شُهُودَهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ مُشَارَكَةِ الْآخَرِ فِيمَا يَقْبِضُ
(قَالَ) رَجُلَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا سَرَقَا هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يَدَّعِي ذَلِكَ فَلَمَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ بِقَطْعِهِمَا قَالَ أَحَدُهُمَا: الثَّوْبُ ثَوْبُنَا لَمْ نَسْرِقْهُ قَالَ يُدْرَأُ الْقَطْعُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute