للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ) وَإِذَا قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ أَوْ مَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ عَلَى قَوْمٍ مُسَافِرِينَ لَمْ يَلْزَمْهُمْ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَأُخِذُوا بِرَدِّ الْمَالِ وَأُدِيرُوا وَحُبِسُوا وَالْأَمْرُ فِي قَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَوْ جُرِحَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِمْ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ أَخْذُ الْمَالِ وَالْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ وَالْمُجَاهَرَةِ وَجَرِيمَتُهُمْ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ أَغْلَظُ مِنْ جَرِيمَتِهِمْ بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ تَغَلُّظَ الْجَرِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْمُجَاهَرَةِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَالَهُمْ مِنْ الْمَنَعَةِ، وَهَذَا فِي الْمِصْرِ أَظْهَرُ وَاعْتُبِرَ هَذَا الْحَدُّ بِحَدِّ السَّرِقَةِ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَاكَ بَيْنَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فِي الْمِصْرِ، وَفِي الْمَفَازَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنْ سَبَبَ وُجُوبِ الْحَدِّ مَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَهُوَ قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ فِي الْمَفَازَةِ لَا فِي جَوْفِ الْمِصْرِ، وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْقُرَى فَالنَّاسُ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ التَّطَرُّقِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ وَبِدُونِ السَّبَبِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ مُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْمَفَازَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ عَادَةً، وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي حِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَمِدًا عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ يَكُونُ مُحَارِبًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا فِي الْمِصْرِ، وَفِيمَا بَيْنَ الْقُرَى يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ السُّلْطَانِ وَالنَّاسِ عَادَةً، وَهُوَ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ بِالتَّطَرُّقِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَيَتَمَكَّنُ بِاعْتِبَارِهِ مَعْنَى النُّقْصَانِ فِي فِعْلِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُ مِنْ حَيْثُ مُحَارَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُخْتَلِسِ مِنْ السَّارِقِ فِي أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا جَاهَرَ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجَابَ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَادَةِ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْمِصْرِ، وَفِيمَا بَيْنَ الْقُرَى كَانُوا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ فَثَبَتَ مَعَ ذَلِكَ تَمَكُّنُ دَفْعِ الْقَاصِدِ مِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَخْذِ الْمَالِ وَالْحُكْمُ لَا يَنْبَنِي عَلَى نَادِرٍ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْكُوفَةِ كَانَ يَنْدُرُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْعُمْرَانِ وَاتِّصَالِ عُمْرَانِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْمَوْضِعِ الْآخَرِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ هَذِهِ الْعَادَةَ وَهِيَ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الْأَمْصَارِ فَيَتَحَقَّقُ قَطْعُ الطَّرِيقِ فِي الْأَمْصَارِ، وَفِيمَا بَيْنَ الْقُرَى مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ قَصَدَهُ فِي جَوْفِ الْمِصْرِ أَوْ بَيْنَ الْقُرَى بِالسِّلَاحِ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ قَصَدَهُ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ يُقَامُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْغَوْثُ، فَأَمَّا الْخَشَبُ وَالْحَجَرُ لَا يَكُونُ مِثْلَ السِّلَاحِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>