فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ
(قَالَ)، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْقُطَّاعِ أَوْ شَرِيكٌ لَهُ مُفَاوِضٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ حُكْمُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقَطْعِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لِلشُّبْهَةِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُهُ عَلَى الْبَاقِينَ لِلشَّرِكَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي السَّرِقَةِ، فَكَذَلِكَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ شَرِكَةٌ لِلْجَمِيعِ وَلِلشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ؛ لِأَنَّ مَالَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فِي حُكْمِ الْعُقُوبَةِ، كَمَالِهِ فَشَرِكَتُهُ بِمَنْزِلَةِ شَرِكَةِ أَحَدِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، فَأَمَّا إذَا أَخَذُوا مَعَ ذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا لَا شَرِكَةَ فِيهِ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ يَلْزَمُهُمْ الْقِطَاعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْمَالِ، كَمَا لَوْ سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ أَحَدِهِمْ مَالًا وَمِنْ حِرْزِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ أَحَدِهِمْ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هُنَاكَ فِي الْحِرْزِ.
وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحِرْزِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ حَافِظٌ لِمَالِهِ مُحْرِزٌ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَالَ جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا أَخْذَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ الْمَالِ فِي حَقِّهِمْ، فَقَدْ تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي جَمِيعِهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ ثُمَّ مِنْ حِرْزٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ هُنَاكَ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَوِزَانُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ أَحَدِهِمْ ثُمَّ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى قَوْمٍ أَجَانِبَ وَأَخَذُوا الْمَالَ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْقَطْعِ دُونَ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ قَتَلُوا أَحَدَهُمْ يُقْتَلُونَ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْقَتْلِ
(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمْ بِمُعَايَنَةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِالْقَطْعِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِ الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ الْقَوْلِ، وَإِنْ قَالَ الشَّاهِدَانِ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَأَخَذُوا الْمَالَ مِنَّا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا وَشَهَادَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ دَعْوَى، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى وَالِدِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ اسْتِيفَاؤُهُ إلَى الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَةِ صَاحِبِ الْمَالِ، وَفِيمَا كَانَ الْخَصْمُ أَبَ الشَّاهِدِ أَوْ ابْنَ الشَّاهِدِ لَا شَهَادَةَ لَهُ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ لِأَبِيهِ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ لَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ لَمْ يُقِمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنْ السَّبَبَ لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ إلَّا إذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى خُصُومَةِ الْخَصْمِ
(قَالَ) فَإِنْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute