يُحْسِنُ قِرَاءَةَ شَيْءٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ يَكُونُ أُمِّيًّا يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَدَلَّ أَنَّهُ مُتَعَلِّمٌ مِنْ الْمُصْحَفِ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي يَدَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ ذَكْوَانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ فِي الصَّلَاةِ، إنَّمَا الْمُرَادُ بَيَانُ حَالِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ أَنَّ قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ لَيْسَ بِفَرْضٍ.
قَالَ: (رَجُلٌ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يُنْتَفَعُ عِنْدَهُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَإِنْ كَانَ مَدْبُوغًا إلَّا فِي الْجَامِدِ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ اللَّيْثِيِّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَفِيهِ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ».
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الدِّبَاغَةِ، قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْإِهَابُ اسْمُ الْجِلْدِ لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ يُسَمَّى أَدِيمًا، ثُمَّ الْمُحَرَّمُ بِالْمَوْتِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مَصْلَحَةِ الْأَكْلِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» وَبِالدِّبَاغِ خَرَجَ الْجِلْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْأَكْلِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الدُّسُومَاتِ النَّجِسَةِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالدِّبَاغِ فَصَارَ طَاهِرًا كَالْخَمْرِ تَخَلَّلَ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي حَدِّ الدَّبَّاغِ عِنْدَنَا مَا يَعْصِمُهُ مِنْ النَّتْنِ وَالْفَسَادِ، حَتَّى إذَا شَمَّسَهُ أَوْ تَرَّبَهُ كَانَ ذَلِكَ دِبَاغًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَكُونُ دِبَاغًا إلَّا بِمَا يُزِيلُ الدُّسُومَاتِ النَّجِسَةَ عَنْهُ، وَذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ الشَّبِّ وَالْقَرْضِ وَالْعَفْصِ (وَدَلِيلُنَا) فِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِمَنْفَعَةِ الْأَكْلِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَى فِيهِ الدُّسُومَاتُ النَّجِسَةُ، فَإِنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ لَأَنْتَنَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَكَذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ عِنْدَنَا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ، وَقَاسَ بِجِلْدِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ.
(وَلَنَا) عُمُومُ الْحَدِيثِ أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَمَا طَهُرَ مِنْ لُبْسِ النَّاسِ كَجِلْدِ الثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالسَّمُّورِ وَنَحْوِهَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغِ، فَأَمَّا جِلْدُ الْخِنْزِيرِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ أَيْضًا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ، فَإِنَّ لَهُ جُلُودًا مُتَرَادِفَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا لِلْآدَمِيِّ، وَإِنَّمَا لَا يَطْهُرُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ الْمُطَهِّرَ وَهُوَ الدِّبَاغُ، أَوْ لِأَنَّ عَيْنَهُ نَجِسٌ وَجِلْدَهُ مِنْ عَيْنِهِ، فَأَمَّا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ النَّجَسُ مَا اتَّصَلَ بِالْعَيْنِ مِنْ الدُّسُومَاتِ
، وَعَلَى هَذَا جِلْدُ الْكَلْبِ يَطْهُرُ عِنْدَنَا بِالدِّبَاغِ، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute