للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَيْهِ أَقْرَبُ فَكَأَنَّهُ كَانَ يُوصِيهِ بِحِفْظِ نَفْسِهِ مِنْ الْمَهَالِكِ وَحِفْظِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى لَا يَرْضَى لَهُمْ إلَّا بِمَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ وَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ دُونَهُمْ فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ التَّأَلُّفُ وَانْقِيَادُهُمْ لَهُ ثُمَّ قَالَ: «اُغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ» أَيْ: اُخْرُجُوا وَاقْصِدُوا، وَالْغَزْوُ: الْقَصْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كَانُوا غُزًّى} [آل عمران: ١٥٦] وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْصِدُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَقْطَعُ» قَالَ: «وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ» أَيْ لِيَكُنْ خُرُوجُكُمْ لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِطَلَبِ الْمَالِ فَالْمُجَاهِدُ يَبْذُلُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فَإِنَّمَا يَرْبَحُ عَلَى عَمَلِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا إذَا كَانَ قَصْدُهُ تَحْصِيلَ الْمَالِ فَهُوَ كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ.

ثُمَّ قَالَ: «قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ» فِيهِ دَلِيلُ فَرْضِيَّةِ الْقِتَالِ وَأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِدَفْعِ فِتْنَةِ الْكُفْرِ وَدَفْعِ شَرِّ الْكُفَّارِ وَهَذَا عَامٌّ لَحِقَهُ خُصُوصٌ فَالْمُرَادُ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اسْتَعْظَمَ ذَلِكَ وَقَالَ: هَاهْ مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» ثُمَّ قَالَ «وَلَا تَغُلُّوا» وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ حَرَامٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٦١] قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهِ وَكُلُّ مَا انْتَهَى إلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ يَرْجِعُ فِي قَعْرِهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ» «وَالْأَسْوَدُ الَّذِي كَانَ يُرْحِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرِبٌ فَمَاتَ قَالَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلًّا فَإِنَّ الْعَبَاءَةَ الَّتِي غَلَّهَا مِنْ الْمَغْنَمِ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ فَالْغُلُولُ عَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: «وَلَا تَغْدِرُوا» وَالْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَهُوَ حَرَامٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُرْكَزُ عِنْدَ بَابِ اسْتِهِ يُعْرَفُ بِهِ غَدْرَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُبُ فِي الْعُهُودِ وَفَاءٌ لَا غَدْرَ فِيهِ» قَالَ: «وَلَا تُمَثِّلُوا» وَالْمُثْلَةُ حَرَامٌ كَمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا خَطِيبًا بَعْدَ مَا مَثَّلَ بِالْعُرَنِيِّينَ إلَّا وَيَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» فَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَخُطْبَةٍ دَلِيلٌ عَلَى تَأْكِيدِ الْحُرْمَةِ فِيهِ قَالَ: «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» وَالْوَلِيدُ الْمَوْلُودُ فِي اللُّغَةِ وَكُلُّ آدَمِيٍّ مَوْلُودٌ وَلَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّغَارِ عَادَةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ الصِّغَارِ مِنْهُمْ إذَا كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>