للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُجَرَّدُ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ مِنْهُمْ وَكَمَا نَهَى عَنْ قَتْلِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُثْلَةِ ثُمَّ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ فَإِنْ هُمْ دَعَوْهُمْ فَحَسَنٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ مُعَاذًا فِي سَرِيَّةٍ وَقَالَ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُكُمْ فَإِنْ بَدْؤُكُمْ فَلَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوا مِنْكُمْ قَتِيلًا ثُمَّ أَرَوْهُمْ ذَلِكَ الْقَتِيلَ وَقُولُوا لَهُمْ هَلْ إلَى خَيْرٍ مِنْ هَذَا سَبِيلٌ؟ فَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْك خَيْرٌ لَك مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِنْذَارِ قَدْ تَنْفَعُ وَإِنْ تَرَكُوا ذَلِكَ فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا لَا يَقْوَوْنَ عَلَيْهِمْ إذَا قَدَّمُوا الْإِنْذَارَ وَالدُّعَاءَ.

وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ غَافِلُونَ وَيَعُمُّهُمْ عَلَى الْمَاءِ بِسَقْيٍ وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُغِيرُوا عَلَى أَبْنَا صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرَّقَ» «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يُغِيرَ عَلَى قَوْمٍ صَبَّحَهُمْ وَاسْتَمَعَ النِّدَاءَ فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ صَبَّحَ أَهْلَ خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجَ الْعُمَّالُ وَمَعَهُمْ الْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ وَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَالْخَمِيسُ: الْجَيْشُ وَقَدْ كَانُوا وَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْزُوهُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَظْفَرُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ»، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُحَرِّقُوا حُصُونَهُمْ وَيُغْرِقُوهَا وَيُخَرِّبُوا الْبُنْيَانَ وَيَقْطَعُوا الْأَشْجَارَ وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْرَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَصِيَّةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَقْطَعُوا شَجَرًا وَلَا تُخَرِّبُوا وَلَا تُفْسِدُوا ضَرْعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: ٢٠٥] الْآيَةُ وَتَأْوِيلُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الشَّامَ تُفْتَحُ لَهُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: إنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَى كُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ» فَقَدْ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى ذَلِكَ فِي وَصِيَّتِهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ وَمُمَكِّنٌ لَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا فِيهَا مَسَاجِدَ فَلَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْكُمْ أَنَّكُمْ تَأْتُونَهَا تَلَهِّيًا فَلَمَّا عَلِمَ أَنْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِيرَاثٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَرِهَ الْقَطْعَ وَالتَّخْرِيبَ لِهَذَا.

ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِ بَنِي النَّضِيرِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى نَادَوْهُ مَا كُنْت تَرْضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>