فِي السِّلَاحِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَسْتَصْحِبَ السِّلَاحَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَصِيرُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الشَّرِكَةِ وَنَفْيُ الْمُبِيحِ تَحَقُّقُ الْحَاجَةِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ يُكْرَهُ الِاسْتِعْمَالُ وَإِذَا وُجِدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ مِمَّا لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ فَمَالَهُ فِيهِ حَقٌّ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبَارِزَ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا بِأَنْ يَسْقُطَ سَيْفُهُ مِنْ يَدِهِ فَيُعَالِجُ قِرْنَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُ سَيْفَهُ فَإِذَا أَخَذَهُ صَارَ غَنِيمَةً لَهُ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ أَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَالْحَرَجِ وَإِلَى نَحْوِهِ أَشَارَ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ رَمَاهُ الْعَدُوُّ بِنُشَّابَةٍ فَرَمَاهُمْ بِهَا أَوْ انْتَزَعَ سَيْفًا مِنْ بَعْضِهِمْ فَضَرَبَهُ أَكَانَ يُكْرَهُ ذَلِكَ هَذَا وَنَحْوُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ وَالدَّوَابُّ فَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ النَّهْيِ قَبْلَ هَذَا وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ ثَبَتَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ فَلَا يَكُونُ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَخْتَصَّ بِالِانْتِفَاعِ بِشَيْءٍ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ اعْتِبَارًا لِلْمَنْفَعَةِ بِالْعَيْنِ فَإِنْ احْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ قَسَّمَهَا الْإِمَامُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمْ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَدَدِ وَلَا يَدْرِي أَيَلْحَقُ بِهِمْ الْمَدَدُ أَمْ لَا يَلْحَقُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى ذَلِكَ كُرِهَتْ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا اللَّفْظُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَرَاهَةِ الْقِسْمَةِ لَا فِي الْجَوَازِ.
(قَالَ): أَلَا تَرَى أَنَّ جَيْشًا آخَرَ لَوْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ شَرَكُوهُمْ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ وَهَذَا عِنْدَنَا فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا شِرْكَةَ لِلْمَدَدِ إذَا لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْأَخْذُ وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَمَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ وَعِنْدَنَا السَّبَبُ هُوَ الْقَهْرُ وَتَمَامُ الْقَهْرِ بِالْإِحْرَازِ فَإِذَا شَارَكَ الْمَدَدُ لِلْجَيْشِ فِي الْإِحْرَازِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ السَّبَبُ يُشَارِكُونَهُمْ فِي تَأَكُّدِ الْحَقِّ بِهِ كَمَا إذَا الْتَحَقُوا بِهِمْ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ بَعْدَمَا أَخَذُوا بَعْضَ الْأَمْوَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْمُحَارِبِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْمُحَارِبَةِ سَبَبُ الشِّرْكَةِ فِي الْمُصَابِ بِدَلِيلِ أَنَّ الرِّدْءَ يَسْتَوِي بِالْمُبَاشِرِ لِلْقِتَالِ وَقَدْ سَأَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَكُونُ حَامِيَةً لِقَوْمٍ وَآخَرُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ أَيَشْتَرِكَانِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»؛ وَلِأَنَّ دُخُولَ دَارِ الْحَرْبِ سَبَبٌ لِقَهْرِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلَّا ذُلُّوا وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْوَاطِئَ مَوْطِئَ الْعَدُوِّ بِمَنْزِلَةِ النَّيْلِ فِي الثَّوَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} [التوبة: ١٢٠] الْآيَةُ فَكَذَلِكَ فِي الشِّرْكَةِ فِي الْمُصَابِ يَجْعَلُ الْوَاطِئَ مَوْطِئَ الْعَدُوِّ عَلَى قَصْدِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ النَّيْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute