للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْتَرِقُ كَالْحَدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ فَيَسْتَعِينُوا بِهِ وَأَمَّا الدَّوَابُّ وَالْمَوَاشِي إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِرُهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَلَا يَتْرُكُهَا كَذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا فِي التَّرْكِ مِنْ تَقَوِّي الْمُشْرِكِينَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَذْبَحُهَا ثُمَّ يُحَرِّقُهَا لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا الْعَدُوُّ فَالذَّبْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُبَاحٌ شَرْعًا فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ رُبَّمَا يَتَقَوَّوْنَ بِلَحْمِهَا فَيَقْطَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ كَمَا يَفْعَلُ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَفِي هَذَا كَبْتٌ وَغَيْظٌ لَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا جَوَازَ التَّخْرِيبِ وَالْإِحْرَاقِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ الْكَبْتُ وَالْغَيْظُ لِلْمُشْرِكِينَ.

وَمَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَالْإِمَامُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ خَمَّسَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا فَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْأَرَاضِيُ مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَجَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى رِقَابِهِمْ، وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ عِنْدَنَا كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالسَّوَادِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَهُ ذَلِكَ فِي الرِّقَابِ، فَأَمَّا فِي الْأَرَاضِيِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَيَصْرِفَ الْخُمُسَ إلَى مَصَارِفِهِ، وَيَنْبَنِي هَذَا الْكَلَامُ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي السَّوَادِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا وَقَدْ بَيَّنَّا، وَالثَّانِي فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا عِنْدَنَا وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، قَالَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ: وَمَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسِّيَرِ وَالْفُتُوحِ لَا يَقُولُ بِهَذَا وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعِينَ عَلَى فَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً وَقَهْرًا حَتَّى حَدَثَ قَوْلٌ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ لَهُمْ الْأَرَاضِيَ وَالنَّخِيلَ الَّتِي هِيَ حَوْلَ مَكَّةَ فَلَمْ يَجِدْ بُدًّا فِي إجْرَاءِ مَذْهَبِهِ مِنْ هَذَا، (قَالَ): وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ وَضَعَ الْحَرْبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ دَخَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا»، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ دَخَلَهَا بِذَلِكَ الصُّلْحِ وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: ٢٤]، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَظِيفَةً وَفِي الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً وَقَهْرًا لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْأَرَاضِيِ لَهُمْ بِغَيْرِ وَظِيفَةٍ.

(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآثَارَ اشْتَهَرَتْ بِنَقْضِ قُرَيْشٍ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي خُزَاعَةَ دَخَلُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ وَبَنِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ ثُمَّ قَاتَلَ بَنُو بَكْرٍ بَنِي خُزَاعَةَ وَأَرْدَفَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالْأَسْلِحَةِ وَالْأَطْعِمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>