تَعَالَى فِيمَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَسْقُطُ سَهْمُهُ لِأَنَّ بَيْعَ الْفَرَسِ عِنْدَ الْقِتَالِ مُخَاطَرَةٌ بِالنَّفْسِ فَمَنْ لَيْسَ لَهُ قَصْدُ الْقِتَالِ يَطْلُبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرَسًا لِيَهْرُبَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ بَيْعَهُ الْفَرَسَ لِإِظْهَارِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَرْبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُرِي الْعَدُوَّ أَنَّهُ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الْفِرَارِ أَصْلًا (قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَيْعَ الْفَرَسِ إلَى وَقْتِ الْقِتَالِ يُحَقِّقُ قَصْدَ التِّجَارَةِ فِيهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ أَرْغَبُ وَالتَّاجِرُ يَحْبِسُ مَالَ تِجَارَتِهِ إلَى وَقْتِ عَزَّتِهِ وَكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَلِهَذَا يَسْقُطُ سَهْمُهُ بِبَيْعِ الْفَرَسِ.
فَأَمَّا إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا ثُمَّ اشْتَرَى فَرَسًا وَقَاتَلَ فَارِسًا فَلَهُ سَهْمُ الرَّاجِلِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لَهُ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِأَنَّ مَعْنَى إرْهَابِ الْعَدُوِّ وَالْقَهْرِ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ إعْزَازُ الدِّينِ بِالْقِتَالِ عَلَى الْفَرَسِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ فَإِذَا كَانَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِمُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ فَارِسًا فَالْقِتَالُ عَلَى الْفَرَسِ أَوْلَى، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يُدَوِّنُ الدَّوَاوِينَ وَيُثْبِتُ أَسَامِيَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الدَّرْبِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَفَقُّدُ أَحْوَالِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَنْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الرَّجَّالَةِ فَقَدْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ رَاجِلًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِشِرَاءِ الْفَرَسِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ.
وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا، ثُمَّ قَاتَلَ رَاجِلًا بِأَنْ كَانَ الْقِتَالُ عَلَى بَابِ حِصْنٍ أَوْ فِي السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ، أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي دِيوَانِ الْفُرْسَانِ وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحُصُولِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَارِسًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ قَاتَلَ وَلَهُ فَرَسٌ مُعَدٌّ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ لَوْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ كَمَا يَسْتَحِقُّ الرِّدْءَ السَّهْمَ مَعَ الْمُبَاشِرِ.
وَإِذَا مَاتَ الْغَازِي أَوْ قُتِلَ بَعْدَ إصَابَةِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُوَرَّثْ سَهْمُهُ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُوَرَّثُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُمْ بِنَفْسِ الْإِصَابَةِ وَمَوْتُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا يُبْطِلُ مِلْكَهُ عَنْ نَصِيبِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ كَالشُّرَكَاءِ فِي الِاصْطِيَادِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْأَخْذِ، وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْإِصَابَةِ وَلَا يَتَأَكَّدُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ وَالْحَقُّ الضَّعِيفُ لَا يُوَرَّثُ كَحَقِّ الْقَبُولِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا مَاتَ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبُولِهِ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي الْقَبُولِ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ الْحَقُّ يَتَأَكَّدُ وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي الْحَقِّ الْمُتَأَكِّدِ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهُوَ نَظِيرُ مَذْهَبِنَا فِي الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَا يُوَرَّثُ لِأَنَّهُ حَقٌّ ضَعِيفٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute